Skip to main content

للاحتفال بعيد ميلاده الـ 200، يكشف  احد المعارض المثيرة للإعجاب عن العقل المعقد وتفاصيل حياة أحد الملحنين النمساويين الذي لم ينال التقدير الذي يستحقه، حيث يتم عرض 130 وثيقة أصلية ومخطوطة موسيقية في هذا المعرض. ويوجد ايضا في قلب المعرض السيمفونيات التسع الأصلية التي تؤكد موهبة بروكنر الثورية خلال القرن التاسع عشر.

ولد الملحن النمساوي (جوزيف) أنطون بروكنر في بلدة أنسفيلدن الصغيرة عام 1824. واحتفالًا بالذكرى المئوية الثانية لميلاده، خصصت المكتبة الوطنية النمساوية معرضًا باسمه. اطلق على المعرض ″أنطون بروكنر: الثوري التقي″. ويعرض المعرض بشكل رائع حياته في القرن التاسع عشر، ويستكشف الطبيعة الثورية ليس فقط لموسيقى بروكنر، بل لعقله أيضًا. ويبقى سؤال مثير للاهتمام: كيف يمكن لشخص متواضع أن يؤلف مثل هذه الموسيقى العاطفية والرجعية؟

ترك بروكنر مقطوعاته الموسيقية الرئيسية لمكتبة البلاط النمساوية (Hofbibliothek). وقد استحوذت عليها المكتبة الوطنية النمساوية فيما بعد، وهي تحتفظ اليوم بأكبر مجموعة فريدة من المخطوطات الموسيقية لبروكنر. وفي عام 2014، انضمت مجموعة أنطون بروكنر إلى ″ذاكرة النمسا″، وهو سجل اليونسكو الوطني للتراث الوثائقي النمساوي.


Bruckner, Symphony Nr 4 Es Dur ‘Romantische’ Claudio Abbado, Wiener Philharmoniker

Bruckner Symphony no. 8 1st Mov. Karajan

ويعرض المعرض العديد من هذه النصوص التي توضح حياة بروكنر. والزوار مدعوون ايضا لاستكشاف مسيرته الموسيقية خلال سنوات شبابه عندما كان فتى كورال وبعد ذلك كمدرس وعازف أرغن في دير سانكت فلوريان. بالنسبة لأولئك الذين ليسوا على دراية بموسيقى بروكنر، هناك الكثير من الفرص للاستماع بشكل خاص إلى مجموعة مختارة من مقطوعاته، مثل الرباعيات الوترية ومقتطفات من سمفونياته. توثق المذكرات الأصلية والرسائل الشخصية والصور الفوتوغرافية معتقداته الدينية ومهنه المتعددة كمدرس ومحاضر وملحن واهتماماته العاطفية غير المتبادلة، ومعجبيه وأصدقائه ومؤيديه.

ورغم أن بروكنر حقق شهرة كبيرة خلال حياته ــ فقد حصل على وسام صليب الفارس من وسام الإمبراطور فرانز جوزيف في عام 1886 ــ فمن الأفضل أن نحكم على أعماله بدقه. يعتبر بروكنر شخصية معقدة: وذلك لانه ولد في الريف، ويعتبره الكثيرون ريفيًا، ويريد أن يعيش حياة ريفية وبسيطة، ومع ذلك، انتقل إلى فيينا في عام 1868، وهي واحدة من أكثر المدن الحضرية في أوروبا وواحدة من أكثر المدن تحضرًا في أوروبا ومركزا عالميا للثقافة والفن. ومع ذلك، فقد اختار عدم اعتناق أسلوب الحياة الليبرالي، ولم يكن مهتمًا بالتواصل الاجتماعي أو عيش الحياة الجيدة. حيث كان متدينًا وحساسًا ومتواضعًا، يسافر ذهابًا وإيابًا بين فيينا وسانكت فلوريان بحثًا عن الطبيعة والروحانية.

كان بروكنر يحب مشاركة شغفه مع الاخرين، وكان يستمتع بروكنر بشرب كأسا من النبيذ مع طلابه. وكان التدريس بالغ الأهمية بالنسبة له – بداية من المدرسة الابتدائية في سانت فلوريان، إلى التلاميذ الخصوصيين في لينز وفيينا، وفي Gesellschaft der Musikfreunde (جمعية أصدقاء الموسيقى) وفي جامعة فيينا. ونظرًا لأن أداء سيمفونيات بروكنر كان مكلفًا (تتطلب سيمفونياته وأعماله الكورالية فرق أوركسترا كبيرة وإدارة الأحداث)، قامت مجموعة من طلاب بروكنر المتفانين بنسخ بعض أعماله للبيانو، لتمكين جمهور أكبر من الاستمتاع بموسيقاه.

Anton BucknerAnton Buckner
Anton Bruckner's signature hatAnton Bruckner’s signature hat
Anton Bruckner's Symphony D MinorAnton Bruckner’s Symphony D Minor

في سنواته الأولى، درس الموسيقى والهارموني، وفي وقت لاحق من حياته، علم نفسه كيفية التأليف. وبالرغم من ذلك فلقد بدأ بروكنر في تأليف مقطوعته الأولى، ″القداس D الصغرى″ في أواخر الثلاثينيات من عمره. ولقد كان ملحنًا متحمسًا لموسيقى الكنيسة (قام بتأليف سبع قداسات)، لكنه قام بعد ذلك بتأليف تسع سمفونيات. ووصف قائد الفرقة الموسيقية بروكنر بأنه ″نصف عبقري ونصف أحمق″. يبدو أنه كان يتمتع بـ ″شخصية صعبة″.

لم يكن بروكنر محظوظًا في الحب، حيث كان يعاني من الاكتئاب والشك في نفسه، ولكن ساعده رفقاءه وأصدقاؤه، مثل هوغو وولف وتيودور هيلم. وكان بروكنر ايضا من أشد المعجبين بـ ريتشارد فاغنر وتعرض لانتقادات في فيينا بعد وجود معجبين له في الأوساط القومية الألمانية.

كانت السيمفونية الرابعة لبروكنر، ″الرومانسية″، واحدة من أكثر أعماله شهرة، ولقد حقق شهرة عالمية بعد أن أكمل سيمفونيته السابعة عام 1884. وتعتبر سيمفونيته الثامنة الأكثر تعقيدا، وقد وصفها الخبراء بأنها ″في غاية الروعة″. ولا تزال الحركة الأخيرة للسيمفونية التاسعة غير مكتملة، حيث توفي بروكنر قبل أن يتمكن من إكمال الحركة الأخيرة.

لماذا يعد بروكنر ثوري؟ كان بروكنر ثوريًا لأنه عاش في ذروة الرومانسية النمساوية الألمانية، ومع ذلك فقد ابتكر صوتًا جديدًا وأصليًا ومعقدًا لدرجة أنه مهد الطريق للملحنين الأكثر ″حداثة″ مثل أرنولد شوينبيرج. لقد تضمنت الإصدارات الأولى من سمفونيات بروكنر تعقيدات موسيقية وإيقاعية وإيقاعية. هذا اللحن المبتكر – الدرامي- الضخم والهارموني لم يكن مفهومًا جيدًا، بل اعتبر الموسيقيون في ذلك العصر ان اللحان بروكنر غير قابله للتطبيق. وفضل منتقدوه مدرسة الموسيقى الرومانسية الأكثر تحفظًا التي جسدها برامز، الذي عاش أيضًا في فيينا.

مدفوعًا بالكمال وعدم الثقة بالنفس في كثير من الأحيان، شعر بروكنر بأنه مضطر إلى إعادة كتابة مقاطع من أعماله. ولقد قام أقرانه بفعل الشيء نفسه، مما أدى إلى وجود إصدارات وطبعات متناقضة لمعظم سمفونياته. ومع ذلك، كتب ديريك كوك، عالم الموسيقى الإنجليزي الذي أصبح معروفًا عالميًا بإكماله السيمفونية العاشرة غير المكتملة لجوستاف ماهلر، أن ″بروكنر ابتكر نوعًا جديدًا وضخمًا من الكائنات السمفونية، التي نبذت الاستمرارية الديناميكية المتوترة لبيتهوفن، والاستمرارية الواسعة والسلسة لفاغنر، وذلك للتعبير عن شيء مختلف تمامًا عن أي من الملحنين، شيء عنصري وميتافيزيقي.″ (قاموس نيو جروف للموسيقى والموسيقيين، تحرير ستانلي سادي، (لندن: ماكميلان، 1980)، 3:365).

في نهاية المطاف، تم الاعتراف بموسيقى بروكنر على حقيقتها: في بعض الأحيان متنافرة، وتقدمية، وشجاعة، ورجعية. ولذلك فان معرض ″أنطون بروكنر: الثوري التقي″ يشيد بتلك الموهبة المتميزة.

يمكن مشاهدة ″أنطون بروكنر: الثوري التقي″ في المكتبة النمساوية الوطنية،في جوزيفسبلاتز 1، فيينا حتى 26 يناير 2025. وهو يقع في قاعة الدولة، التي تضم واحدة من أروع المكتبات من عصر الباروك التاريخية في العالم وتستحق دائمًا الزيارة. رسوم الدخول (للبالغين) هي 10 يورو.

الصور: انطباعات من معرض ″أنطون بروكنر: Der fromme Revolutionär″ © A. Winterstein

WordPress Cookie Notice by Real Cookie Banner