في تحول دراماتيكي للأحداث، أعلنت تركيا حظرا على جميع أشكال التجارة مع إسرائيل ردا على الحرب المستمرة التي يشنها نظام نتنياهو ضد الفلسطينيين. ويتفق الخبراء على أن الحظر التجاري سيؤثر على إسرائيل أكثر من تركيا. وسوف ترتفع أسعار السلع والخدمات في إسرائيل، مما يزيد من الضغوط على نتنياهو للتراجع عن خططه لمهاجمة رفح، أو المخاطرة بفقدان قبضته على السلطة. ودعا وزير الخارجية التركي فيدان إلى تضامن جميع الدول الإسلامية في القمة الخامسة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي في بانجول، غامبيا.
دعا أردوغان إسرائيل مرارا وتكرارا إلى وقف الإبادة الجماعية في غزة، وشبه رئيس الوزراء نتنياهو بهتلر، ووصفه بأنه ″جزار غزة″. وفي 2 مايو، فرضت تركيا حظرًا تجاريًا شاملاً على إسرائيل، وأعلنت عزمها تقديم طلب للانضمام إلى قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية. وفي 4 مايو، دعا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى تضامن جميع الدول الإسلامية في القمة الخامسة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي في بانجول، عاصمة غامبيا، مشيرًا إلى أنه لا يحق لأي من الأعضاء حل خلافاتهم دون النظر الى «دماء الفلسطينيين». وإذا عملت الدول الإسلامية معًا، فيمكنها تحقيق النتائج من خلال التدابير الدبلوماسية والقسرية.
وبهذه الخطوة، زادت تركيا بشكل كبير من الضغوط على إسرائيل لحملها على الموافقة على وقف إطلاق النار في غزة وفتح الممرات الإنسانية للسكان المدنيين الذين يتضورون جوعاً في غزة. وتريد تركيا تحميل إسرائيل مسؤولية الإبادة الجماعية في غزة واستخدام العنف ضد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة. صرح مسؤول كبير في الأمم المتحدة في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن ″المجاعة الشاملة″ بدأت تتكشف الآن في شمال غزة.
وفي الفترة التي سبقت الحظر التجاري الشامل الذي فرضته تركيا، تم فرض مجموعة من الإجراءات العقابية، بما في ذلك العقوبات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية، والتي شملت طرد السفير الإسرائيلي، واستدعاء سفير تركيا لدى إسرائيل، وتعليق كل أشكال التعاون العسكري بين البلدين. كما تعهدت تركيا بتقديم الدعم الدبلوماسي للفلسطينيين والضغط من أجل اتخاذ إجراء دولي ضد إسرائيل في الأمم المتحدة. علاوة على ذلك، تبرز تركيا كواحدة من أكبر المساهمين في المساعدات لغزة، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة. وبهذه الخطوة الأخيرة، تكون تركيا قد طلقت إسرائيل فعلياً سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً. جدير بالذكر ان حجم التجارة بين البلدين يبلغ 6.8 مليار دولار أمريكي في عام 2023.
تحول السياسة التجارية وسط رد فعل سياسي عنيف
أشارت بيانات جمعية المصدرين الأتراك إلى زيادة التجارة بين البلدين في أعقاب هجمات 7 أكتوبر. أثار هذا الارتباط التجاري المستمر مع إسرائيل خلال الصراع ردة فعل داخلية ضد الحكومة التركية. ويرى الكثيرون أن الموقف الأولي لأنقرة ساهم في انتكاسة كبيرة للحزب الحاكم في الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 مارس، حيث واجه الحزب، لأول مرة منذ 21 عامًا، هزيمة واسعة النطاق. وعلى الرغم من حصوله على المركز الثالث في استطلاعات الرأي، برز حزب الرخاء الجديد الإسلامي كصوت بارز ينتقد الرئيس أردوغان لفشله في قطع العلاقات التجارية مع إسرائيل.
هذا يسلط الضوء على التأثير المتزايد للسياسة الداخلية على السياسات التجارية التركية ويثير تساؤلات حول نهج الحكومة في إدارة العلاقات الدولية وسط مشهد سياسي متغير. واعتبارًا من 9 أبريل، أي بعد ستة أشهر من الغضب الشعبي بسبب إحجام أنقرة عن وقف التجارة مع إسرائيل، استسلمت الحكومة أخيرًا للضغوط المتزايدة وفُرضت قيود على التصدير. ومع تحرك أردوغان الأخير لحظر جميع أشكال التجارة، اكتملت القطيعة مع إسرائيل.
التصعيد المتبادل
أكدت وزارة التجارة التركية أن الحظر التجاري سيستمر ″إلى أن تسمح الحكومة الإسرائيلية بتدفق غير متقطع وكافي للمساعدات الإنسانية إلى غزة″.
وقد أثارت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها تركيا رداً سريعاً وحاداً من وزير الخارجية الإسرائيلي، إسرائيل كاتس. وأعلن عن إجراءات انتقامية وشيكة، وأمر وزارة الخارجية الإسرائيلية بتجميع قائمة شاملة بالمنتجات التركية المقرر حظرها. وبعد الإعلان عن الحظر التجاري الشامل الذي فرضته تركيا، أكد كاتس أن أردوغان ″ينتهك الاتفاقات من خلال إغلاق الموانئ أمام الواردات والصادرات الإسرائيلية″.
وتعتزم إسرائيل طلب المساعدة من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين في محاولة للعثور على شركاء جدد للتجارة معهم في أعقاب الحظر التجاري الشامل الذي فرضته تركيا. وبالإضافة إلى ذلك، تخطط إسرائيل لتقديم التماس إلى الكونجرس الأمريكي ″لفرض عقوبات على تركيا″.
وذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل في 4 مايو أن إسرائيل ستحد من التجارة التركية مع السلطة الفلسطينية كإجراء انتقامي لقرار أنقرة وقف جميع التجارة مع الدولة اليهودية. وكان وزير الخارجية كاتس قد وجه كلمات قوية لأردوغان: ″إن الدكتاتور أردوغان الذي يريد أن يكون سلطاناً يعمل في خدمة حماس، وينتهك الاتفاقيات ويسعى إلى إيذاء إسرائيل، ولكنه في الواقع يؤذي الفلسطينيين الذين يزعم أنه يريد مساعدتهم″.
معضلة نتنياهو التكتيكية
وإلى أن يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النارفمن الممكن ان يختار نتنياهو تبني المزيد من المناورات الدبلوماسية والتدابير الاقتصادية المضادة لمواجهة تصرفات تركيا. ويمكن لإسرائيل أن تسعى إلى حشد الدعم من حلفائها في المنطقة وخارجها، والاستفادة من شراكاتها الاستراتيجية لعزل تركيا دبلوماسيا وتقويض مصداقيتها على الساحة الدولية. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة قد تكون صعبة، لأن تركيا عضو مهم في حلف شمال الأطلسي وحليف للغرب.
ووفقا لجمعية البناء الإسرائيلية، يتم استيراد ما يقرب من 70% من الحديد في اسرائيل وحوالي ثلث الأسمنت، المستخدم بشكل أساسي في البناء المحلي، من تركيا. بالإضافة إلى ذلك، تعد إسرائيل وجهة رئيسية لصادرات الصلب التركية. ورغم أن إسرائيل قد تبحث عن بدائل، إلا أن العثور على بدائل مناسبة سوف يستغرق وقتاً طويلاً، الأمر الذي سيكون أكثر تكلفة. ويتفق الاقتصاديون على أن إسرائيل ستعاني من هذا الحظر التجاري الشامل أكثر من تركيا.
الوقت وحده هو الكفيل بإثبات ما إذا كان طلاق تركيا من إسرائيل سيساعد في تحقيق النتيجة المرجوة وهي: وقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين الذين يعانون في غزة. وإذا انضمت دول أخرى إلى قيادة تركيا، فإن الضغط على نتنياهو وحكومته الحربية قد يكون القشة التي ستقصم ظهر البعير.
الصورة: 28 أكتوبر 2023، إسطنبول، تركيا: انطلق تجمع فلسطين الكبير في مطار أتاتورك، بتنظيم من حزب العدالة والتنمية وبمشاركة الرئيس رجب طيب أردوغان، للفت الانتباه إلى الهجمات الإسرائيلية. ووجه أردوغان نداء إلى أنصاره عبر وسائل التواصل الاجتماعي: أدعو جميع إخواني إلى تجمع فلسطين الكبير، مطار أتاتورك بإسطنبول، اليوم، حيث سنعزز هذه الدعوات ونصرخ بأننا نقف مع الشعب الفلسطيني ضد القمع الإسرائيلي. © إيماجو / زوما واير