أدى الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان واستيلاء طالبان لاحقًا على السلطة في أغسطس 2021 إلى خلق أزمة إنسانية خطيرة. لقد ″أجبر″ الانهيار الاقتصادي والجفاف الأسر الأفغانية على بيع بناتها مقابل النقود لدفع ثمن الغذاء لبقية أفراد الأسرة، و تم تجريد النساء والفتيات من حقوقهن. ولقد أدى قرار الرئيس بايدن المثير للجدل باستخدام نصف الأموال الأفغانية المفرج عنها البالغة 7 مليارات دولار لتعويض ضحايا 11 سبتمبر إلى تفاقم الوضع.
Alison Westervelt 17/02/2022
إن الوضع في أفغانستان يتحول سريعًا إلى أخطر أزمة إنسانية في العالم. حيث انسحبت الولايات المتحدة الامريكية من أفغانستان في أغسطس 2021، دون استشارة أي من حلفائها، تاركة البلاد في حالة من الفوضى والاقتصاد في حالة سقوط حر. وسرعان ما استولت طالبان على السلطة، مما أدى إلى كارثة إنسانية، حيث يتضور نصف السكان جوعا، ودخلت البلاد السنة الثانية من أسوأ موجة جفاف منذ عقود بينما منعت الدول الغربية المساعدات.
ومع اختفاء الوظائف وانخفاض محصول القمح لعام 2022 بنسبة 20% مقارنة بعام 2021، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن نصف السكان، أي ما يقرب من 22.8 مليون شخص، يواجهون الجوع الحاد وانعدام الأمن الغذائي. وبينما يعاني 98% من السكان من نقص الغذاء، فإن نصف النساء والأطفال في البلاد معرضون لخطر المجاعة. وقد نزح أكثر من تسعة ملايين شخص، وهناك ملايين الأطفال خارج المدارس. هذا وقد أوضح مارتن غريفيث، منسق الإغاثة الطارئة التابع للأمم المتحدة، أن مليون طفل معرضون لخطر سوء التغذية الحاد الوخيم إذا لم يتحسن الوضع.
لقد أصبح الوضع يائساً للغاية لدرجة أن التقارير تتزايد عن قيام الأسر ببيع بناتها مقابل النقود لدفع ثمن الغذاء. وأوضح القادة في مخيم للنازحين لتايمز أوف إسرائيل أن حالات بيع الفتيات للزواج من قبل عائلاتهن بدأت في الارتفاع خلال مجاعة عام 2018 ولكنها ازدادت بشدة هذا العام مع دخول أفغانستان عامها الثاني من الجفاف. وأكد تقرير صادر عن اليونيسف في نوفمبر 2021 أن زواج الأطفال يتزايد في أفغانستان.
يحظر القانون الأفغاني زواج الأطفال الأقل من 15 عاما، وبالرغم من ان هذا السن يعد أقل بثلاث سنوات من السن القياسي المعترف به دوليا وهو 18 عاما، فأن هذه الممارسة لا تزال شائعة. حيث يتم زواج الأطفال في أفغانستان منذ قرون، لكن الوضع المزرى دفع العديد من الآباء إلى خطبة بناتهم في سن أصغر بكثير.
في إحدى الحالات التي نشرتها صحيفة دون الباكستانية، باعت عائلة أفغانية ابنتيها البالغتين من العمر 6 سنوات و18 شهراً مقابل ما يزيد قليلاً عن 6000 دولار أمريكي. وأوضحت أم تبلغ من العمر 25 عاماً تعيش حالياً في مركز للنازحين أنها اضطرت لبيع ابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات لبقال لسداد الديون المتراكمة عليها لشراء الغذاء لإطعام أسرتها، بعد أن حذرها البقال من أنه سيسجنها إذا لم يتم سداد الدين.
إن زواج الأطفال يرجع إلى حد كبير إلى الفقر وله آثار كارثية على الفتيات. حيث إنه يعد انتهاك لحقوق الإنسان للطفل ويشكل عنفًا قائمًا على النوع الاجتماعي يسلب الفتيات طفولتهن. وتظهر الأبحاث التي أجرتها منظمة المساعدات الإنسانية ″أنقذوا الأطفال″ أن زواج الأطفال يعطل التعليم ويزيد من التعرض للعنف والتمييز وسوء المعاملة. هذا وبالإضافة إلى فقدان التعليم، فأن العرائس الأطفال غالباً ما يحرموا من حقهن في الصحة والسلامة والمشاركة. وتُجبر العديد من الفتيات على الزواج من رجال أكبر سناً بكثير، ويتعرضن لخطر التعرض لمضاعفات خطيرة أثناء الحمل والطفولة، والإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، والتعرض للعنف الجنسي.
أثناء الاحتلال الأمريكي في 2018 التحقت أكثر من 80 بالمائة من الفتيات بالمدارس الابتدائية وشغلت النساء 20 بالمائة من مناصب الخدمة المدنية. الا انه منذ رحيل الولايات المتحدة واستيلاء طالبان على السلطة، اختفت حقوق النساء والفتيات. ولم يعد يُسمح للنساء بالعمل أو الظهور في الأماكن العامة دون ولي أمر ذكر. وتُمنع الفتيات الأكبر من 12 عامًا من العودة إلى المدارس الابتدائية، كما أدت سياسات الفصل الصارمة بين الجنسين في الجامعات إلى انخفاض عدد النساء المسجلات في التعليم العالي.
وفي منتصف يناير، أطلقت الأمم المتحدة نداءً لجمع 5 مليارات دولار أمريكي لتخفيف الأزمة الإنسانية الأليمة في أفغانستان. وذكرت الأمم المتحدة أن هذا هو أكبر نداء مساعدات لدولة واحدة على الإطلاق. وسيتم دفع الأموال التي تم جمعها مباشرة إلى العاملين في مجال الصحة لتجنب وقوعها في أيدي طالبان.
ان أزمة السيولة في أفغانستان لا تؤدي الا الى تفاقم المشاكل القائمة. حيث انه عقب الانسحاب الأمريكي واستيلاء طالبان على السلطة، أوقفت إدارة بايدن معظم المساعدات لأفغانستان. وجمدت الولايات المتحدة 9.5 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية لأفغانستان، وضغطت على صندوق النقد الدولي لتأجيل الدعم الطارئ. ولقد توقفت ايضا مدفوعات المساعدات الخارجية، التي تشكل 40% من الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان.
وفي 11 فبراير، وقع الرئيس جو بايدن أمرًا تنفيذيًا بالإفراج عن 7 مليارات دولار أمريكي من الاحتياطيات الأفغانية المجمدة. وفي سابقة، أمر الرئيس بتقسيم الأموال الأفغانية بين الجهود الإنسانية للشعب الأفغاني وضحايا الإرهاب الأمريكيين، بما في ذلك أقارب ضحايا 11 سبتمبر. وقد أثارت هذه الخطوة غضب الشعب الأفغاني، ويحذر المنتقدون من أن حجب هذه الأموال يمكن أن يدفع النظام المصرفي الأفغاني المتوتر بالفعل إلى فشل نظامي ويزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية الأليمة بالفعل.
ومع عجز الحكومة الأفغانية عن دفع رواتب المسؤولين، قلت فرص العمل وأصبح أكثر من نصف مليون شخص عاطلين عن العمل. حيث تتوقع منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل إلى ما يقرب من المليون عن، اخذًا في الاعتبار القيود التي تفرضها حركة طالبان على وصول المرأة إلى سوق العمل.
وقد لجأ ديفيد ميليباند، الرئيس والمدير التنفيذي للجنة الإنقاذ الدولية، إلى تويتر للدعوة إلى استجابة إنسانية أكبر. ونوه إلى أنه ″بدون اقتصاد فعال ونظام مصرفي، فإننا نواجه احتمالات مريعة. نحن بحاجة إلى حزمة ضخمة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي لوقف التيار المتدفق″.
لا تستطيع المنظمات الإنسانية أن تعمل في أفغانستان إذا لم يكن هناك أموال لدفع تكاليف الغاز والرواتب وما إلى ذلك. وإذا لم يستقر الوضع، فإن الأزمة في أفغانستان سوف تنتشر في جميع أنحاء المنطقة، وتخلق أزمة لاجئين كما حدث مع الملايين من الناس الذين أُجبروا على ترك منازلهم منذ رحيل القوات الأمريكية واستيلاء طالبان على السلطة. هذا وقد يخلق ذلك أيضاً جيلاً جديداً من الإرهابيين.
إن الوضع في أفغانستان يتطلب استجابة دولية عاجلة تتضمن جهوداً أعظم من جانب الولايات المتحدة، التي أدى انسحابها المتسرع إلى خلق الأزمة الحالية وفراغ السلطة الذي ملأته حركة طالبان بسرعة وسهولة. وفي رسالة نشرت من المجلس الأطلسي في ديسمبر، قام دبلوماسيون أمريكيون وقادة عسكريون أمريكيون سابقون في أفغانستان بمطالبة واشنطن باتخاذ إجراءات وأشاروا إلى ″الالتزام الأخلاقي” للولايات المتحدة بالعمل مع الحلفاء الرئيسيين و”التقدم بمقترحات ملموسة للمساعدة في استقرار الاقتصاد الأفغاني″.
ورغم أن المناقشة تتمحور حول الاقتصاد، فإن أولئك الذين يملكون القدرة على التصرف يجب أن يتذكروا أن النساء والفتيات في أفغانستان يتضورن جوعاً وقد جُردن من حقوقهن. وكل يوم دون حلول سيجلب المزيد من المعاناة والموت لشعب أفغانستان، وسيؤدي إلى بيع المزيد من الفتيات مقابل المال.