يناقش البروفيسور دانييل جارسيا نظام الأسبوع المكون من أربعة أيام وما هي نماذج التوظيف التي يمكن أن تكون عليها في المستقبل. هل تكون أيام الجمعة هي أيام السبت الجديدة أم أن هذا مجرد تمني؟ هل يمكن لأسبوع من أربعة أيام أن يؤدي فعلياً إلى زيادة الإنتاج والتوظيف؟ ام ان هذا شيء يصعب تصديقه.
Professor Daniel Garcia 7/10/2021م
من المعروف أن الاقتصاديين متنبئين سيئين. حيث قال لورانس بيتر، صاحب المشهور بمبدأ بيتر، مازحا إن الاقتصاديين ″سيعرفون غدا لماذا لم يتحقق اليوم ما توقعوه بالأمس″. ومن بين القائمة الطويلة من التنبؤات الخاطئة، فان الضوء دائما ما يسلط على اثنان. الأول كان بسبب إيرفينغ فيشر، الذي قال في أكتوبر 1929 إن أسعار سوق الأوراق المالية ″وصلت إلى مستوى مرتفع بشكل دائم″. وبعد تسعة أيام فقط، حدث انهيار وول ستريت وتحطمت مكانته كواحد من ألمع الاقتصاديين على الإطلاق.
وظهر التنبؤ الثاني بعد فترة وجيزة حيث زعم جون ماينارد كينز في مقالته الجميلة ″الاحتمالات الاقتصادية لأحفادنا″ (1930) بأن مستوى المعيشة في نهاية القرن العشرين (مقاسًا بدخل الفرد) سيكون أعلى بأربعة إلى خمسة أضعاف مما كان عليه في ذلك الوقت. ونتيجة لذلك، زعم كينز أن الغالبية العظمى من الناس سيخصصون خمس عشرة ساعة فقط في الأسبوع للعمل. لقد كان كينز على حق عندما قال إن دخل الفرد قد زاد بمقدار أربعة أضعاف على الأقل في معظم دول العالم، لكنه كان مخطئا بشكل مذهل في تقديره لمستقبل أسبوع العمل. والسؤال الذي اعتقد ان كينز قد يطرحه هو: إذا كنت ثريًا إلى هذا الحد، فلماذا تعمل كثيرًا؟
حيث انه ومنذ عام 1950، لم تتغير الحياة العملية للطبقة المتوسطة في العالم الغربي إلا قليلاً. حيث يلتزم معظم الموظفين بأسبوع عمل مدته خمسة أيام، من الساعة التاسعة صباحا إلى الخامسة مساء، ويتنقلون يوميًا إلى المكتب (على الأقل قبل أن يهز فيروس كورونا عالمنا). وقد تم تطبيق هذا النمط لاحقًا في جميع أنحاء العالم من أبوجا إلى زغرب، ومن سانتياغو إلى سيول. وفي 24 دولة من أصل 28 دولة في الاتحاد الأوروبي، حيث يعمل الرجال في المتوسط ما بين 39 و41 ساعة أسبوعيا، ويرجع التباين في ساعات العمل بين البلدان إلى الاختلاف في مشاركة المرأة في سوق العمل.
ولكن في السنوات الأخيرة، فلقد اكتسب العمل بدوام جزئي أو غير التقليدي شعبية كبيرة. حيث تتزايد الأصوات المطالبة بتخفيض ساعات العمل، وعلى وجه التحديد، تقليص أسبوع العمل من خمسة إلى أربعة أيام. ويقول أنصار أسبوع العمل المكون من أربعة أيام أنه سيؤدي إلى زيادة الإنتاجية، وزيادة الرضا عن الحياة، وتوازن افضل بين مسؤوليات الأسرة والعمل، وخاصة بين العاملات.
ومن الأمثلة الحديثة على ذلك كتاب ″أيام الجمعة هي أيام السبت الجديدة″ من تأليف بيدرو جوميز، الاقتصادي في كلية بيركبيك. حيث يؤيد جوميز تطبيق الأسبوع المكون من أربعة أيام في كافة مجالات الاقتصاد وذلك من منظور النظرية الاقتصادية الكلاسيكية وبعض الأدلة التجريبية. وبالرغم من ان الساسة المعاصرون قد ينتقدوا هذا الإصلاح باعتباره مؤامرة ″شيوعية مجنونة″، الا انه قد أيدها العديد من الاقتصاديين المشهورين على مر السنين.
ولقد أشار إليها بول سامويلسون في عام 1970 على أنها ″اختراع اجتماعي بالغ الأهمية″. وفي عام 1972، أجرت جمعية الإدارة الأمريكية دراسة استقصائية للشركات التي كانت تطبق نظام العمل بأربعة أيام في الأسبوع، ووجدت أن معظمها حققت زيادة في الإنتاجية وأن 3٪ فقط أبلغت عن انخفاض الإنتاج. ولقد انتقلت شركة Microsoft Japan إلى نظام العمل المكون من أربعة أيام في الأسبوع منذ عامين فقط، مما أدى إلى زيادات كبيرة في الإنتاجية. لماذا إذن نتمسك بالأسبوع الطويل؟
ويقول جوميز إن العامل لا يمكنه الاستمتاع بوقت فراغه الإضافي بشكل كامل إذا استمر الآخرون في العمل يوم الجمعة. ويرى أن وقت الفراغ هو منفعة جماعية: فالسفر أو تناول الطعام أو حضور الحفلات الموسيقية أو التسكع يكون أفضل مع الآخرين. وبالتالي، لجني فوائد الأسبوع المكون من أربعة أيام، سنحتاج إلى تغيير حياتنا العملية بشكل جماعي. وبالمثل، تستفيد الشركات من الحفاظ على جداول زمنية مماثلة لعملائها ومورديها. ولذلك فإن اليد الفاعلة في الدولة ضرورية لنجاح الأسبوع المكون من أربعة ايام.
ويذهب بعض مؤيدي نظام العمل بأربعة أيام في الأسبوع إلى أبعد من ذلك ويجادلون بأن أسبوع العمل المكون من أربعة أيام سيحد من البطالة وذلك من خلال توزيع ساعات العمل بشكل أكثر توازناً بين العمال. ولسوء الحظ فان هذا يعد مثال على مغالطة كتلة العمل الشهيرة. وببساطة فانه لا يوجد أي دليل على أن تخفيض ساعات العمل سيؤدي إلى انخفاض معدلات البطالة. حيث انه اذا أدى تخفيض ساعات العمل لكل عامل إلى توظيف المزيد من العمال (من أجل الحفاظ على ثبات الإنتاج)، فإن الفرض العكسي وهو زيادة إنتاجية كل ساعة سيكون من شأنها أن تؤدي إلى انخفاض معدلات تشغيل العمالة. إلا أن الوضع عكس ذلك.
وهناك مخاوف أخرى لم يتناولها مؤيدي هذا النظام وهي: أولاً، فانه بالرغم من أن معظم العمال أفادوا بأنهم يعملون 40 ساعة في الأسبوع، إلا أن معظم الشركات لا تمارس أي رقابة في هذا الصدد وقد يتوفر بعض العمال على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع بينما يعمل البعض الآخر عن بعد فقط في الأوقات التي يرونها مناسبة، مما يبين إن الأسبوع المكون من أربعة أيام هو إصلاح لعام 2020 يناسب عالم الأعمال عام 1980. ثانيا، يتقدم في العمر سكان العديد من الدول الغربية بسرعة، مما يساهم في نقص نسبي في العمال المهرة.
وعلي الرغم من انه تم اقتراح نظام الأسبوع المكون من أربعة ايام لجذب العمال إلى وظائف شاقة، الا انه من غير المرجح أن يكون هذا حلاً طويل المدى. وأخيرا، ليس من الواضح ما إذا كان تخفيض ساعات عمل العمال يعد إجراء جيدا في عالم يتحرك بلا هوادة نحو ميكنة عملية الإنتاج.
الصورة: احتجاج مع علامة 4 أيام في الأسبوع في يوم 1 مايو، في تجمع للنقابات اليسارية واتحاد نقابات العمال الألماني، DGB، في برلين، ألمانيا. يشارك المتظاهرون في احتجاج عيد العمال في تقليد يوم العمال العالمي، الذي تم تأسيسه من أجل الأجر العادل والتضامن وظروف العمل العادلة في زمن كورونا تحت شعار ليس على ظهورنا – النقابات العمالية والأجراء في الهجوم في برلين. © إيماجو / إيبون