يُنظر إلى كتلة البريكس تقليديًا على أنها توازن النفوذ الغربي من خلال ضمها للبرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، ومؤخرًا إيران ومصر وإثيوبيا والإمارات العربية المتحدة. ويثير مسعى تركيا الأخير للحصول على عضوية البريكس، وهي أول عضو في الناتو يفكر في الانضمام، اهتمامًا عالميًا وردود أفعال متباينة. ومع تزايد تحالفات تركيا الجيوسياسية المتنوعة، يبدو أن هذه الخطوة من شأنها أن تؤثر على علاقات تركيا القائمة، وخاصة مع الناتو والاتحاد الأوروبي. والسؤال، لماذا تخاطر تركيا بإفساد هذه العلاقة؟
Meric Sentuna Kalaycioglu
2024/12/16
English version
تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، تنتهج تركيا سياسة خارجية استباقية وطموحة تهدف إلى زيادة نفوذها العالمي، ويتجلى ذلك في طلبها الرسمي للانضمام إلى تحالف البريكس، الذي أعلنه مساعد الشؤون الخارجية الروسي يوري أوشاكوف في 2 سبتمبر 2024.
مع الالتزام بتعزيز النظام العالمي متعدد الأقطاب، ومواجهة ما يعتبره الكثيرون مؤسسات يهيمن عليها الغرب مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، تمثل اقتصادات البريكس 45٪ من سكان العالم و28٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. مما يجعل تلك الكتلة شريكًا جذابًا للتجارة والاستثمار والتعاون التكنولوجي.
بالنسبة لتركيا، التي واجه اقتصادها تحديات في السنوات الأخيرة، فإن عضوية البريكس ستفتح الأبواب أمام أسواق جديدة وتقلل من اعتمادها على الاقتصادات الغربية وخاصة الاتحاد الأوروبي، الذي كان تاريخيا أكبر شريك تجاري لتركيا. كما سلط أردوغان الضوء على مجموعة البريكس باعتبارها صوتًا للجنوب العالمي، مما يوفر لتركيا منصة يمكن أن تعزز نفوذها في المسائل الاقتصادية والسياسية العالمية.
يتماشى هذا التحول مع استراتيجية التنويع الأوسع نطاقًا لتركيا. وفي حديثه في مؤتمر صحفي في واشنطن خلال قمة حلف شمال الأطلسي في يوليو 2024، أكد أردوغان على رغبة تركيا في الانتقال من وضع المراقب في منظمة شنغهاي للتعاون التي تهيمن عليها الصين إلى العضوية الدائمة.
كما تهتم أنقرة بإقامة علاقات مؤسسية قوية مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، ومنذ عام 2018، شاركت بنشاط في قمم الآسيان.
يمكن أن تدعم عضوية مجموعة البريكس طموحات تركيا لترسيخ نفسها كلاعب مركزي في الجغرافيا السياسية الآسيوية بشكل أكبر. فلطالما كان لموقع تركيا كمفترق طرق أوراسي أهمية استراتيجية، ولكن من خلال التحالف مع مجموعة البريكس، يمكن لتركيا إعادة تعريف دورها في الشرق الأوسط وأوراسيا، ووضع نفسها كوسيط بين الكتل الجيوسياسية الغربية والشرقية المختلفة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن عضوية مجموعة البريكس من شأنها أن تمكن تركيا من مناقشة قضايا دولية رئيسية، من التنمية المستدامة إلى مكافحة الإرهاب، مما يمنح أنقرة طريقًا جديدًا لممارسة النفوذ على الساحة العالمية.
ومع ذلك، فإن عضوية مجموعة البريكس تأتي مع تعقيدات دبلوماسية ملحوظة. فطالما كانت عضوية الناتو جزءًا لا يتجزأ من موقف تركيا الدفاعي والأمني، مما منحها نفوذًا كبيرًا داخل التحالف. وكان الناتو وحلفاء تركيا الغربيون ينظرون تقليديًا إلى مجموعة البريكس بريبة، ويفسرونها كمنظمة يمكنها مواجهة نفوذ الناتو. وباعتبارها أول عضو في الناتو يسعى إلى عضوية مجموعة البريكس، فإن تركيا تبحر في توازن دقيق بين التحالفات الغربية الراسخة والقوى غير الغربية، بما في ذلك روسيا والصين.
وعلى الرغم من تعاون تركيا وروسيا في مسائل الطاقة والدفاع، بما في ذلك خط أنابيب الغاز ترك ستريم وأول محطة للطاقة النووية في تركيا في أكويو، إلا أنهما غالبًا ما وجدا نفسيهما على جانبين متعارضين في الصراعات الإقليمية مثل سوريا. وعلى الرغم من هذا، استمرت علاقة العمل بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتن، مما يؤكد النهج البراجماتي لتركيا في السياسة الخارجية. إذا انضمت تركيا إلى مجموعة البريكس، فإن هذا التحالف مع روسيا والصين قد يشجع زعماء آخرين على النظر في علاقاتهم وسياسات حلف شمال الأطلسي مع هذه القوى، وهو ما قد يضع وحدة التحالف على المحك.
إن تركيا ترغب في إقامة علاقات اقتصادية اكبر مع الاتحاد الأوروبي، وكانت مرشحة رسمية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ عام 1999، ولكن محادثات الانضمام توقفت لسنوات بسبب عدم الامتثال لجميع مبادئ الاتحاد الأوروبي. ويأتي عرض البريكس دون المتطلبات السياسية والديمقراطية الصارمة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي. وإذا ما انحازت تركيا بشكل أوثق إلى مواقف بلدان البريكس، وخاصة تلك التي تنحرف عن الغرب، فإن هذا من شأنه أن يعقد مساعي تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
إن جهود تركيا لتأمين مكان لها في البريكس تشكل خطوة جريئة، تشير إلى نيتها رسم مسار للاستقلال الاستراتيجي في عالم منقسم بشكل متزايد بين الكتل القوية. ومع استمرار تركيا في تعزيز علاقاتها مع رابطة دول جنوب شرق آسيا ومنظمة شنغهاي للتعاون في الوقت نفسه الذي تسعى فيه إلى عضوية البريكس، فإنها تخوض في عملية موازنة جيوسياسية تتطلب نهجاً حذراً. وفي حين أن احتمال الانضمام إلى البريكس يتماشى مع طموح تركيا لتنويع تحالفاتها، فلا ينبغي الاستهانة بالاحتكاك المحتمل مع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
بالنسبة لتركيا، فإن عضوية البريكس أكثر من مجرد تحالف اقتصادي أو سياسي؛ إن تركيا تمثل رؤية للمشاركة في الشؤون العالمية بشروطها الخاصة. كما أن هذا الدافع الطموح للتواصل مع الكتل الدولية المتنوعة يضع تركيا تحت ضغط غير مسبوق. ومن خلال تعزيز العلاقات عبر مجالات النفوذ المتنافسة، ستواجه تركيا حتمًا احتكاكًا مع واحد على الأقل من تحالفاتها .
إن نهج تركيا يجسد تعقيدات النظام العالمي متعدد الأقطاب، حيث تسعى البلدان بشكل متزايد إلى المشاركة عبر تحالفات متعددة بدلاً من الالتزام بكتلة واحدة أو أيديولوجية واحدة. وسيمثل ذلك اختبار حقيقي للسياسة الخارجية، وذلك لبيان ما اذا كانت أنقرة قادرة على الحفاظ على هذا التوازن الدقيق، وقد يتطلب إعادة النظر في طموحاتها الجيوسياسية الأكبر.