لم يكن من الممكن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة العربية السعودية إلا من خلال وساطة جمهورية الصين الشعبية. حيث أظهر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، اللذان لم يتمكنا منفردين أو مجتمعين من تحقيق هذا الإنجاز الدبلوماسي، الضعف المتأصل في النظام الغربي القائم على القواعد. هذا التقارب سوف يعزز بلا شك الاستقرار في الشرق الأوسط والخليج الفارسي. حيث انه لا يمكن التنبؤ بالإمكانيات التي تستطيع إيران والمملكة العربية السعودية تحقيقها إذا عملا معًا لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية مشتركة وذلك سواء فيما يتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة أو القضية الفلسطينية.
Heinz Gärtner 04/07/2023
دور الصين يمثل جوهر الدبلوماسية.
يعد استعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة العربية السعودية من خلال وساطة جمهورية الصين حدثًا سياسيًا كبيرًا في الشرق الأوسط والخليج الفارسي ونجاحًا للدبلوماسية بشكل عام، وذلك لان مشاركة الصين في الاتفاق أعطته بُعدا عالميا. مما لا شك فيه فإن ذلك الاتفاق يعد خطوة مهمة نحو التطبيع بين هاتين القوتين الإقليميتين وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط. ان هذا الاتفاق لا يعمل فقط على تعزيز العلاقات الدبلوماسية، بل أيضًا يعزز العلاقات التجارية والسياسية والثقافية والتكنولوجية بين إيران والمملكة العربية السعودية. هذا و ولقد وضح ايضا أن إيران عندها القدرة على تطوير واستخدام الطرق الدبلوماسية وهو ما حاول معارضو الاتفاق النووي ان ينفوه.
لا يفترض أن يكون الأمر مفاجئا إذا طبقنا القواعد والمعايير المعتادة للعلاقات الدبلوماسية بين الجهات الحكومية. فقد قامت كل الجهات المعنية بالدور التي كان من المفترض ان تقوم به في عالم مبني على مبادئ متعددة الأطراف. وذلك حيث أعدت إيران والمملكة العربية السعودية اتفاقًا ناجحًا في نهاية المطاف عقب عدة جولات من المحادثات الثنائية بينما لعبت الصين دور الوسيط الدبلوماسي النزيه، رغم ان لها بالطبع بعض المصالح الخاصة.
فرصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الضائعة.
لقد أضاعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فرصة لعب دور دبلوماسي رئيسي لانهما وقعا في معضلة تعريفهما “للنظام القائم على القواعد”، وهو ما يعني التعامل فقط مع الدول التي يوجد معها وفاق. هذا وبالرغم من ان الدبلوماسية التقليدية تتطلب تنظيم العلاقات بين الدول المحتمل وجود صراع بينها، فإن انقسام الرئيس بايدن في التعامل مع الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية يمثل عقبة رئيسية أمام إقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع جزء كبير من العالم. ولذلك لم يكن لدى الولايات المتحدة شريك لمناقشة العلاقات الإيرانية السعودية. حيث انه يجب على الوسيط النزيه، بالرغم من محاولته للحفاظ على علاقة جيدة مع المملكة العربية السعودية وليس ايران، ان يبني علاقة مع كافة الاطراف وذلك بغض النظر عن الاختلاف مع قيم أو سلوك أحدهم أو جميعهم.
إن ترك هذه المبادرة للصين يوضح الضعف السياسي الذي يعاني منه الاتحاد الأوروبي. وبالرغم من ادعاء الاتحاد الأوروبي الدائم باحتفاظه بعلاقات جيدة مع جميع دول الخليج الفارسي فانه، ومع مرور الوقت، اسس قائمة هرمية للعلاقات وغني عن البيان ان إسرائيل كانت دائما على رأس تلك القائمة.
ولكن هذا لا يعني أن الاتحاد الأوروبي غير قادر على مشاركة الدول الأخرى، فلقد بينت أزمة الطاقة النهج الانتقائي الذي تبناه الاتحاد الأوروبي. حيث تضمنت “شراكة الاتحاد الاوروبي الاستراتيجية مع الخليج” في مايو 2022 العديد من المسائل المهمة مثل التجارة والاستثمار وتوظيف الشباب والنقل والتحول الرقمي وأمن الطاقة والتحول الأخضر وجائحة كوفيد 19 والمزيد. لقد شملت تلك الوثيقة بشكل رئيسي أعضاء مجلس التعاون الخليجي ولم تشمل إيران والعراق واليمن ولذلك فان هذا النهج الانتقائي يستمر في تقليص الدور الذي يلعبه الاتحاد الأوروبي كوسيط جدير بالثقة.
وقد ساهم هذا النهج أيضًا في فشل الاتحاد الأوروبي في إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة وتوفير مبادرات كافية لإيران للدفاع عن خطة العمل الشاملة المشتركة بشكل فعال. من الجدير بالذكر إن الاتفاق السعودي الإيراني لا يتضمن خطة العمل الشاملة المشتركة، لكنه ربما يسهل المحادثات بينهما وذلك إذا تخلت المملكة العربية السعودية عن معارضتها الأولية للاتفاق.
الأمن التعاوني والحد من الأسلحة الإقليمية.
يمكن النظر إلى التقارب الإيراني السعودي باعتباره نواة لنظام أمني تعاوني إقليمي. حيث يؤكد على ضرورة احترام السيادة الوطنية لبعضهما البعض والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهما البعض. وبالإضافة للقضايا الأمنية الثنائية، فان هذا التقارب يمكنه ان يوازن اتفاقيات إبراهيم، التي تضم إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحريين واخرين ولا تضم المملكة العربية السعودية، حيث قام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بدور الوسيط في هذه الاتفاقيات وصممها من نواحٍ عديدة لتكون تحالفًا مستقبليًا مناهضًا لإيران.
إذا أمكن توسعة التعاون الإقليمي ليشمل الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الأخرى، فقد يكون من الممكن بدء محادثات إقليمية للحد من الأسلحة. ولقد طالبت بعض الحكومات الغربية بإدراج برنامج الصواريخ الإيراني في اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة، ولكن هذا المطلب سيؤدي إلى نتائج عكسية للغاية، لأنه سيتناول برنامج طرف واحد فقط. الا انه من الممكن الاتفاق في تلك المحادثات على حدود لأعداد ومدى الصواريخ التي تمتلكها جميع الأطراف في المنطقة. وغني عن القول أنه بدون حل للصراع العنيف في اليمن، فإن الأمن الإقليمي سيظل معرضا للخطر.
يجب مناقشة الحقوق الفلسطينية.
هناك قضية أخرى لم تكن جزءًا من الاتفاق الإيراني السعودي وهي حقوق الفلسطينيين، حيث تعتبر كل من إيران والمملكة العربية السعودية من المؤيدين الأقوياء للحقوق الفلسطينية ويمكنهما اقتراح خريطة طريق مشتركة لتحقيق هذه الحقوق. ويجب على المملكة العربية السعودية أن تتذكر “خطة السلام العربية” لعام 2002 التي تطالب بالاعتراف بالدولة الفلسطينية داخل حدود عام 1967 كشرط لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، ولكن هذا الشرط تم رفضه في اتفاقيات إبراهيم. لذلك فإن اتباع نهج مشترك تجاه الفلسطينيين يمكن أن يفتح طريق إيران إلى مجلس التعاون الخليجي.
الفوائد المحتملة
وبشكل عام، فأن الاتفاق الإيراني السعودي يشكل بداية جيدة للغاية للتعاون الأمني الإقليمي، وهو أيضًا مثال على الجهود الدبلوماسية الناجحة في الشرق الأوسط الذي سيستفيد منه معظم اطرافه. ومن الممكن ايضا أن يعمل هذا الاتفاق على تعزيز الاستقرار الإقليمي الذي لا يصب فقط في مصلحة دول الخليج الفارسي والصين ولكن ايضا في مصلحة الولايات المتحدة الامريكية، بيد انه يوجد طريق طويل يجب عبوره.