توسع بريكس الأخير يمكن أن يعيد تشكيل السياسة العالمية، وذلك بعد ان تم قبول أربع دول من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهم مصر وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في مجموعة البريكس. والى جانب التقارب الإيراني السعودي الأخير، تعتبر هذه الخطوة ″انتصاراً استراتيجياً للسياسة الخارجية الإيرانية″ بعد سنوات من العقوبات والضغوط الغربية. ومن المقرر أن يؤدي هذا التوسع أيضًا إلى تعزيز نفوذ الشرق الأوسط في الشؤون العالمية وتحسين الاستقرار الإقليمي. علاوة على ذلك، تعتبر البريكس الآن عملاقًا في مجال الطاقة، حيث تمثل أكبر منتجي ومستهلكي النفط في العالم. ولكن السؤال، هل تستطيع هذه الشراكات الجديدة موازنة الهيمنة الغربية؟
Aly Mahmoud
31/10/2023
خلال قمة البريكس الأخيرة التي عقدت بتاريخ 22-24 أغسطس 2023 في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا، أعلن سيريل رامافوسا رئيس جنوب افريقيا ورئيس القمة، قبول ست دول جديدة في المجموعة اعتبارًا من يناير 2024 هم: الأرجنتين، مصر، إثيوبيا، إيران، المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة. والملاحظ ان أربعة من هذه البلدان تقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبعد هذا التوسع الأخير، أصبحت مجموعة البريكس تضم 11 عضوًا، يشار إليها أيضًا باسم البريكس+.
تمثل مجموعة البريكس أكثر من 45% من سكان العالم، وأكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأكثر من 32% من مساحة الارض، وتعتبر الآن واحدة من أهم الكتل الجيوسياسية التي تتحدى الهيمنة الغربية، خاصة بعد التوسع الأخير الذي أدى إلى زيادة تمثيل المجموعة وتنوعها من خلال ضم البلدان الناشئة والنامية الهامة.
وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فمن المتوقع أن يكون للأعضاء الجدد تأثير أكبر في الشؤون العالمية وأن يتولوا أدوارًا قيادية أكثر أهمية على المستويين الإقليمي والعالمي. وذلك في مجالات مختلفة مثل أمن الطاقة والموارد الطبيعية وفرص الاستثمار وزيادة النفوذ السياسي داخل المنظمات الدولية العالمية، مثل الأمم المتحدة. ومع ذلك، وفي ضوء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر، سيتم اختبار نفوذ مجموعة البريكس + على المستوى الجيوسياسي.
ومن المتوقع أيضًا أن تلعب مجموعة البريكس+ دورًا رئيسيًا في تعزيز الاستقرار والأمن الإقليميين، والذي كان يتزايد بشكل كبير منذ نهاية عام 2021، كما هو بين من إعادة سفير الإمارات العربية المتحدة إلى طهران في أغسطس 2022 واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران في مارس 2023 من خلال الوساطة الصينية الماهرة.
تشير هذه التحركات الإستراتيجية أيضًا إلى الجهود الحثيثة التي تبذلها دول البريكس + لتنويع العلاقات الاقتصادية وتقليل اعتمادها المالي والاقتصادي وحتى السياسي على الدول الغربية، وخاصة على الولايات المتحدة. كما أنه يعزز وصولهم إلى شبكة قوية من الشركاء الاقتصاديين، في ظل التحولات العالمية المستمرة التي يشهدها العالم وسط التحولات الجيوسياسية.
ومن المتوقع أن تستفيد مصر بشكل خاص من هذا الانضمام، حيث يتجاوز حجم التجارة فيما بين مصر ومجموعة البريكس 31 مليار دولار أمريكي، مما يتيح المزيد من الخيارات لمصر دون الاعتماد على الدولار الأمريكي وذلك من خلال توسيع معاملاتها التجارية مع مجموعة البريكس بالعملات المحلية. وهذا سيؤدي في المقابل الى تقليل الطلب على العملات الأجنبية والحفاظ على احتياطي النقدي من العملات الاجنبية، وهو أمر مهم بشكل خاص لمصر بالنظر إلى النقص الحاد في العملات الأجنبية. وبالإضافة الى ذلك، فان مصر لديها الآن بديل أكثر اعتمادية من اليات الإقراض الغربية بما في ذلك البنك الدولي، وهو بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة البريكس. حيث انه ومنذ إنشائه، وافق على حوالي 80 مشروعًا لجميع أعضائه باستثمارات إجمالية قدرها 30 مليار دولار أمريكي ويقدم سيولة إضافية ومزايا أخرى لأعضاء البريكس عند الحاجة.
وتعتبر إيران انضمامها إلى مجموعة البريكس ″انتصارا سياسيا″ بعد أن واجهت سنوات من العقوبات والعزلة الغربية، مما أعاق بشكل كبير قدرتها على التواصل مع النظام المالي العالمي والوصول إلى الاستثمارات الأجنبية الأساسية. ويتضح ذلك على وجه الخصوص في قطاعي النفط والغاز ، حيث اضطرت إيران إلى بيع النفط والغاز في السوق السوداء بتخفيضات وخسائر كبيرة. ولكن من الممكن أن تمنح عضوية مجموعة البريكس + إيران مساحة أكبر للمناورة الدبلوماسية وتمكنها من البدء في التحرر من العزلة الدبلوماسية والاقتصادية التي يفرضها الغرب. يمكن لمجموعة البريكس+ أن تخلق لإيران علاقات اقتصادية تتجاوز النظام المالي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، خاصة إذا تمكنت الحكومة الإيرانية من بيع النفط بالحجم المطلوب لأعضاء البريكس+ والسماح لها بالاستثمار بشكل صحيح في استكشاف وتطوير احتياطيات النفط الإيرانية. ومع ذلك، من دون رفع العقوبات المفروضة، سيكون التمتع بالمزايا الكاملة لمجموعة البريكس أمرًا صعبًا، وذلك لانه من المرجح أن تتردد الشركات الخاصة أو الحكومية في الاستثمار في إيران وتعريض عملياتها في الغرب للخطر.
وسوف يستفيد أعضاء البريكس الأصليون أيضًا من ذلك التوسع الأخير. حيث تعتبر منطقة الشرق الأوسط المنطقة الأكثر ثراءً بالطاقة في العالم. وتمثل الاحتياطيات المؤكدة من النفط والغاز الطبيعي في الدول الأربع المنضمة حديثًا من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 34% من احتياطيات النفط العالمية و27% من احتياطيات الغاز العالمية. بالإضافة إلى ذلك، ستمثل مجموعة البريكس+ الآن أكثر من 40% من إنتاج النفط العالمي مقارنة بـ 20% فقط في عام 2022.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن مجموعة البريكس تضم بالفعل الصين والهند، أول وثالث أكبر مستوردي النفط الخام في العالم، فإن هذا يوضح التأثير الجيوسياسي لهذا التوسع. ومن الجدير بالملاحظة ايضا أن مجموعة البريكس+ ستتمكن من الوصول إلى الممرات المائية الحيوية لنقل الطاقة، بما في ذلك الخليج الفارسي والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. وعقب العقوبات الغربية الأخيرة ضد روسيا وإيران، بما في ذلك تجميد أصول الدولة واحتياطاتها وحظر واردات النفط والغاز، تستكشف الدول سبل لحماية نفسها ضد مثل هذه المخاطر، ومن الممكن أن توفر مجموعة البريكس + وسيلة لتحقيق أمن الطاقة. وتقوم روسيا وإيران بالفعل بتسوية مدفوعاتهما التجارية النفطية باليوان الصيني، وتشير التقارير إلى أن الإمارات العربية المتحدة باعت النفط إلى الهند بمدفوعات بالروبية الهندية. وبمرور الوقت، يمكن أن يؤدي هذا إلى نظام عالمي متعدد العملات يتحدى سوق النفط الحالي الذي يهيمن عليه الدولار الأمريكي.
لقد زادت مجموعة البريكس+ من نفوذ دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن مستقبلها ككتلة جيوسياسية سيعتمد إلى حد كبير على كيفية تعامل أعضائها مع الصراعات فيما بينهم وما إذا كان من الممكن التوصل إلى اتفاقات. سيكون العثور على حلول للقضايا الرئيسية أمرًا صعبًا نظرًا لأن قرارات المجموعة تعتمد على الإجماع، وهو ما قد يمثل تحديًا نظرًا لتنوع مصالح وقيم الأعضاء والتي غالبًا ما تكون متعارضة. وتشمل القضايا الرئيسية التي يتعين التعامل معها ما يلي: الصراع الحدودي بين الصين والهند ؛ الصراع بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة الإثيوبي الكبير؛ العلاقات الإيرانية السعودية وصراعاتهما الدينية والإقليمية الطويلة الأمد؛ وأخيراً، وهو الأمر الأكثر إلحاحاً، إنهاء الصراع بين إسرائيل وحماس واستعادة السلام في الشرق الأوسط.