Skip to main content

يجري حاليا بجيبوتي، البلد الصغير القاحل، منافسة شرسة بين اللاعبين العالميين. ولقد برزت الصين حاليا كقوة اجنبية أولى في جيبوتي، والتي تعد منطقة ذات أهمية كبيرة بالنسبة للتجارة العالمية ومستقبل تمركز القوة في القارة الأفريقية. لا يسع المرء إلا أن يتساءل لماذا لم تنخرط الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بشكل أكبر اقتصاديًا في جيبوتي – وهي واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية على هذا الكوكب.

تشغل جيبوتي مساحة 23000 كيلومتر مربع فقط، أي نصف مساحة الدنمارك تقريباً، و90% من تلك الأراضي قاحلة وغير صالحة للسكن. يبلغ عدد سكانها مليون نسمة فقط ومع ذلك فإن موقع جيبوتي الاستراتيجي جذب انتباه جميع القوى العالمية.

ولأن جيبوتي تتكون في معظمها من الصحراء، تعتمد جيبوتي على إثيوبيا في استيراد المواد الغذائية، وتعتمد إثيوبيا غير الساحلية اعتماداً كبيراً على جيبوتي للوصول إلى الموانئ.  وعلاوة على ذلك، يقع مقر الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، لذا فإن اتفاقية ممر أديس – جيبوتي تجعل من جيبوتي دولة ذات أهمية استراتيجية كبيرة في المنطقة وفي أفريقيا بشكل عام.

بالإضافة إلى ذلك، فإن 12% من إجمالي التجارة العالمية، و22% من واردات الاتحاد الأوروبي، تمر عبر قناة السويس في مصر، ثم خليج عدن، أضيق نقطة في البحر الأحمر، الذي يقع قبالة سواحل جيبوتي واليمن. ويمكن لأي من البلدين بسهولة منع التجارة العابرة.

وقد أدى ذلك إلى استثمارات ضخمة من العديد من الدول والشركات المختلفة، بما في ذلك محطة أفق النفط الحديثة في ميناء جيبوتي، والتي تم إنشاؤها كشراكة بين القطاعين العام والخاص بين جيبوتي وشركة إينوك، وهي شركة شحن مقرها دبي.

كما أنشأت دول أجنبية عديدة قواعد في جيبوتي بهدف حماية التجارة العالمية من القرصنة.  وعلى الرغم من فترة الأمان النسبي التي مرت بها جيبوتي، إلا أنها شهدت مؤخراً عودة القرصنة. فمنذ أكتوبر2023، يشن الحوثيون (المتمردون الإسلاميون المتحالفون مع إيران في اليمن) هجمات على السفن في البحر الأحمر انتقاماً من الأعمال العسكرية في غزة. ويعادل الأثر التجاري لهجمات الحوثيين أكثر من 200 مليار دولار أمريكي من الخسائر في البضائع، وزيادة تكاليف التأمين، وزيادة أوقات النقل، كما يسلط الضوء على الحاجة إلى استمرار الدوريات البحرية في خليج عدن والبحر الأحمر وصولاً إلى قناة السويس.

ونظراً لهذا الموقع الحرج لكل من السياسة الأفريقية والتجارة العالمية، فإن جيبوتي هي الدولة الوحيدة في العالم التي تستضيف قواعد عسكرية صينية وأمريكية في آن واحد، إلى جانب مفارز من القوات الإسبانية والفرنسية والإيطالية والألمانية والسعودية. كما أنها تستضيف القاعدة العسكرية اليابانية الوحيدة خارج اليابان. وعلاوة على ذلك، وباعتبارها القاعدة العسكرية الدائمة الوحيدة للولايات المتحدة في أفريقيا، فإن جيبوتي هي مركز العمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة بأكملها، بما في ذلك الخليج العربي.

ونظراً لصغر حجمها وسوء مناخها، تعتمد جيبوتي اعتماداً كبيراً على مينائها للحفاظ على اقتصادها. منذ عام 2017، استغلت الصين هذا الأمر، وبعد موجة من الاستثمارات الصينية وصفقات البنية التحتية الصينية، أصبحت ديون جيبوتي الخارجية الآن مع الصين بشكل أساسي، مما أدى إلى اختلال ميزان القوى بشكل كبير بين جيبوتي والقوى العالمية التي تتنافس على النفوذ هناك.

إن النهج الذي اتبعته الصين في جيبوتي هو سمة مشتركة في ″مبادرة الحزام والطريق″، وهي سلسلة واسعة ومنتقاة من الاتفاقيات الدبلوماسية والتجارية التي أبرمتها الصين مع الدول النامية الأصغر حجماً في آسيا وأفريقيا. في مقابل تزويد هذه البلدان بالبنية التحتية والاستثمارات، والتي تدمج الصين في نهاية المطاف في نسيجها الاقتصادي، تحصل الصين على العديد من الامتيازات في مجموعة كاملة من المبادرات، من حرية حركة الموظفين الصينيين إلى الحقوق التجارية الحصرية وحقوق التعدين وروابط الاستثمار للشركات الصينية.

وتحقيقاً لهذه الغاية، قامت الصين ببناء خط سكة حديد لممر أديس أبابا – جيبوتي. والذي من خلاله، تستفيد الصين من إمكانية الوصول إلى عاصمة الاتحاد الأفريقي، فضلاً عن الموارد التي تحصل عليها من دولة جنوب السودان المجاورة. كما أنشأت الصين أيضًا أكبر منطقة تجارة حرة في أفريقيا بين جيبوتي وإثيوبيا، مما أدى فعليًا إلى خلق اعتماد على رأس المال والشركات الصينية في قلب القوة السياسية والاقتصادية الأفريقية. وقد أدى ذلك إلى زيادة تأثير الصين بشكل كبير على بقية القارة.

وخلال منتدى التعاون الصيني الأفريقي الذي عُقد في بكين في الفترة من 4 إلى 6 سبتمبر 2024، وقّعت جيبوتي مع الصين معاهدات ثنائية في العديد من المجالات بدأ من التجارة وصولا الى الفضاء.

تدفع أمريكا 60 مليون دولار أمريكي سنوياً مقابل قاعدتها العسكرية في جيبوتي، وتدفع القوى الأوروبية المقيمة الأخرى مبالغ مماثلة. لكن الصين هي التي أخذت زمام المبادرة في توفير البنية التحتية وصفقات الاستثمار، مما أدى إلى تغيير ميزان القوى في جيبوتي بشكل كبير.

في حين أن وجود الصين وتدخلها في جيبوتي عاد بفائدة كبيرة على جيبوتي حتى الآن. الا ان الامر قد يكون مسألة وقت قبل أن تطالب الصين بسداد هذه القروض الضخمة. وإذا ما حدث ذلك، فقد تحصل الصين على امتيازات أكبر من أي وقت مضى في منطقة حيوية للتجارة العالمية وميزان القوى العالمي.

الصورة: بكين، 2 سبتمبر 2024. الرئيس الصيني شي جين بينغ يلتقي بالرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله الموجود في بكين لحضور قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي 2024 في قاعة الشعب الكبرى في بكين، عاصمة الصين. © IMAGO / شينخوا

WordPress Cookie Notice by Real Cookie Banner