القاضية الأوغندية في محكمة العدل الدولية، جوليا سيبوتيندي، هي القاضية الوحيدة التي صوتت ضد جميع التدابير الستة التي تم اعتمادها في الحكم المؤقت الذي أصدرته محكمة العدل الدولية لصالح جنوب أفريقيا. وبهذا تكون تلك القاضية قد اتخذت موقف اشد من القاضي المعين من قبل إسرائيل، أهارون باراك، الذي اعترض على أربعة من الإجراءات الستة. هذا التصويت يتناقض بشكل صارخ مع موقفها السابق في قضايا مماثلة، مثل قضية أوكرانيا وروسيا عام 2022 حيث صوتت لصالح جميع التدابير المؤقتة، والتي تضمنت المطالبة بالوقف الفوري للعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.
في 29 ديسمبر2023، طلبت جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية إصدار إجراءات مؤقتة لمطالبة إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية ووقف الإبادة الجماعية في غزة. لم تقم تلك المناورة القانونية بتسليط الضوء على التزام جنوب أفريقيا بالعدالة الدولية فحسب، بل بدأت أيضًا في معركة قانونية من الممكن ان تعيد صياغة الرواية المحيطة بتصرفات إسرائيل في الشرق الأوسط.
كان حكم محكمة العدل الدولية الصادر في 26 يناير2024 بمثابة منعطف مهم في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ورغم أن المحكمة لم تأمر بوقف إطلاق النار أو وقف العمل العسكري في غزة، فإن الأمر المؤقت أقر بحقيقية ادعاءات جنوب أفريقيا، وحث إسرائيل على التوقف عن عرقلة وصول المساعدات إلى غزة واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد التحريض المباشر على الإبادة الجماعية. ووافقت المحكمة على ستة إجراءات مؤقتة، أحدها يلزم إسرائيل بحماية المدنيين الفلسطينيين من الأذى وضمان حقوقهم الأساسية.
وتعد القاضية المعينة من قبل أوغندا، جوليا سيبوتيندي، هي القاضية الوحيدة التي اعترضت على جميع التدابير الستة التي تمت الموافقة عليها، متجاوزة حتى القاضي المعين من قبل إسرائيل، أهارون باراك، الذي اعترض على أربعة من التدابير الستة.
إن معارضة سيبوتيندي جديرة بالملاحظة لأنها تتناقض مع موقفها السابق في قضايا مماثلة، بما في ذلك قضية أوكرانيا وروسيا عام 2022 حيث صوتت لصالح جميع التدابير المؤقتة، والتي تضمنت المطالبة بالوقف الفوري للعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وسرعان ما نأت أوغندا بنفسها عن موقف سيبوتيندي. حيث أصدرت وزارة الخارجية الأوغندية بيانًا أكدت فيه تأييد أوغندا للقرارات التي اتخذت في القمة التاسعة عشرة لرؤساء دول وحكومات حركة عدم الانحياز، التي عقدت في كمبالا يومي 19 و20 يناير 2024، والتي تدين الأعمال العسكرية الإسرائيلية في غزة والدعوة للمساعدة الإنسانية وجهود إعادة الإعمار. وأكد البيان أيضًا أن رأي القاضية جوليا سيبوتيندي في هذا الشأن هو رأيها الخاص ولا يمثل الموقف الرسمي لحكومة أوغندا.
وكتب مندوب أوغندا الدائم لدى الأمم المتحدة، أدونيا أيباري، على موقع X أن ″حكم القاضية سيبوتيندي في محكمة العدل الدولية لا يمثل موقف حكومة أوغندا بشأن الوضع في فلسطين″. ومن خلال النأي بنفسها عن التصويت التي قامت به سيبوتيندي، تضع أوغندا نفسها فعلياً كدولة تحث إسرائيل على التوقف عن قتل المدنيين الأبرياء في غزة.
ولكن على الرغم من سحب اوغندا للدعم العلني، فقد تم انتخاب القاضية سيبوتيندي نائباً لرئيس محكمة العدل الدولية بعد وقت قصير من صدور الحكم المؤقت.
ما هي العلاقة التي تربط أوغندا بإسرائيل؟ ان فهم العلاقة التاريخية بين الحركة الصهيونية وأوغندا، والتي بلغت ذروتها في العلاقات العسكرية والثقافية والدينية القوية بين البلدين، يعد أمر مهم للغاية.
في عام 1903، اقترح البريطانيون مخطط أوغندا الذي خطط بأن تكون أوغندا وطنًا محتملاً للشعب اليهودي. واقترح وزير المستعمرات البريطانية جوزيف تشامبرلين مخطط أوغندا على ثيودور هرتزل، ولكن تم رفض هذا الاقتراح في المؤتمر الصهيوني السابع عام 1905.
وخلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول إلى أوغندا في عام 1966، تم التقاط صورة في منشأة عسكرية أوغندية. وشوهدت ميرام، زوجة أشكول، وهي ترقص إلى جانب عيدي أمين، قائد القوات المسلحة الأوغندية آنذاك. وفي وقت لاحق استولى أمين على السلطة في انقلاب واتخذ موقفا صارما معاديا لإسرائيل. وترأس أوغندا خلال العملية الإسرائيلية عام 1976 في عنتيبي
قام الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، منذ توليه السلطة في عام 1986، بزيارتين إلى إسرائيل، وقد ارتكزت الزيارة في عام 2003 على مناقشة صفقات الأسلحة. وتم تسهيل رحلة موسيفيني عام 2011 من قبل رافي إيتان، عميل الموساد السابق الذي يمتلك استثمارات في أوغندا.
وفي عام 2016، شكلت الجولة الإفريقية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لحظة تاريخية، كونها أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي إلى القارة منذ عقود. وعقب زيارته، أنشأت حركة حاباد، وهي إحدى الحركات الحسيدية الأكثر شهرة في العالم، مركزًا يهوديًا دائمًا في كمبالا في نوفمبر 2017، وهو معلم مهم يجعل أوغندا الدولة رقم 100 التي تستضيف مركز حاباد. ومنذ ذلك الحين، قام نتنياهو بأربع زيارات أخرى إلى أوغندا.
إن العلاقة بين أوغندا وإسرائيل تتجاوز الروابط الدينية والثقافية. فعلى مدى العقد الماضي، قامت أوغندا وإسرائيل بتعميق العلاقات في مختلف القطاعات الأخرى بما فيها التعاون العسكري. وفي سبتمبر 2022، وقعت الدولتان مذكرة دفاعية، تؤكد على التعاون العسكري المستمر على الرغم من الانتقادات في البلاد بشأن شراء واستخدام برنامج القرصنة الإسرائيلي بيغاسوس.
وفي نوفمبر 2021، أدرجت الولايات المتحدة مجموعة NSO الإسرائيلية، الشركة التي أنشأت برنامج Pegasus، على القائمة السوداء، مشيرة إلى أن هذا البرنامج يُستخدم لاستهداف المسؤولين الحكوميين والمعارضين والصحفيين في جميع أنحاء العالم. وبالفعل استخدمت أوغندا برنامج بيغاسوس للتجسس على الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان والمحامين وخلال الانتخابات العامة لعام 2022.
إن التفاعل بين التحالفات التاريخية والحالية وانشقاق القاضية سيبوتيندي في لجنة محكمة العدل الدولية يسلط الضوء على العلاقة القوية بين إسرائيل وأوغندا. كما أنه يثير تساؤلات حول السبب الذي يجعل تلك القاضية تصدر مثل هذه الأحكام المتعارضة في قضايا مماثلة، فتنحاز إلى أوكرانيا، ضحية العدوان من ناحية، وإلى إسرائيل، المعتدية على السكان المدنيين في غزة، من ناحية أخرى.
يجب أن يظل القانون الدولي خاليًا من الولاءات السياسية والشخصية ويجب أن يكون تطبيقه عادلاً ومتساويًا ومتسقًا. وفي الوضع الحالي، لا يسع المرء إلا أن يتساءل عما إذا كان القرار الذي أصدرته القاضية جوليا سيبوتيندي بمثابة عدالة منحازة؟