Skip to main content

لقد واجهت روسيا أكبر موجة من العقوبات الاقتصادية الغربية في تاريخها. وأعلنت العديد من الشركات الغربية انسحابها من السوق الروسية لإظهار التضامن مع أوكرانيا وكنتيجة للضغوط الخارجية. ومع ذلك، بعد مرور عامين على الصراع، من الواضح أن العلامات التجارية لم تغادر البلاد كلها. وكانت الإعلانات العامة عن الانسحاب رمزية في كثير من الأحيان ولا تعكس حقائق معقدة على الأرض.

في أعقاب ″العملية العسكرية الخاصة″ ضد أوكرانيا في عام 2022، بدأ الغرب موجة من العقوبات ضد روسيا. واليوم، تواجه روسيا أكبر موجة من العقوبات الاقتصادية في تاريخها. كيف تكيفت الأعمال الروسية بعد عامين من العقوبات؟ وكم عدد الشركات الغربية التي ″خرجت″ حقًا من روسيا؟

لقد كانت إحدى الاستراتيجيات الأكثر شيوعًا التي تستخدمها العديد من الشركات هي بيع شركاتها لمشغلين محليين. سمح هذا لهم هذا بالحفاظ على وجودهم في السوق، حتى لو بدا الأمر ظاهريًا وكأنه توقف كامل للعمليات. ومن الأمثلة البارزة على ذلك رحيل سلسلة مطاعم ماكدونالدز. حيث انه في عام 2022، أعلنت الشركة بصوت عالٍ عن بيع جميع أصولها في روسيا. ومع ذلك، في غضون بضعة أشهر، افتُتحت المطاعم تحت العلامة التجارية الجديدة( ″Вкусно и Точка″ (Vkusno I Tochka) ، الترجمة – لذيذ وهذا كل شي. وقد ظل النظام الأساسي للعمل والقائمة وحتى الموظفين دون تغيير تقريبًا. وهذا يشير إلى أن الأمر كان يتعلق بتغيير اللافتة أكثر من الانسحاب الكامل من السوق.

وقد حدث موقف مماثل مع العلامات التجارية الدولية الأخرى. فعلى سبيل المثال، باعت سلسلة مقاهي ستاربكس أصولها في روسيا أيضًا. وأعاد الملاك الجدد تسمية المحلات، لكن العمل نفسه استمر في العمل على نفس الأساس. وتوضح هذه الحالات أنه حتى عندما يبدو أن الشركات الدولية تغادر، فإنها تحتفظ بجزء كبير من وجودها من خلال نقل الأعمال إلى شركاء محليين.

ويوجد استراتجية شائعة أخرى وهي استخدام عقود الفرانشايز. يسمح هذا النوع من العقودد للشركات الدولية الكبيرة بنقل علاماتها التجارية ونماذج أعمالها إلى شركاء مستقلين في بلدان مختلفة. وفي ظل ضغوطات العقوبات، أصبح هذا النموذج أكثر طلبًا. حيث تحتفظ الشركات التي أعلنت انسحابها بفرصة إدارة أعمالها بشكل غير مباشر من خلال شركاء الفرانشايز المحليين. وبالتالي، لا يزال من الممكن العثور على العلامات التجارية التي غادرت السوق الروسية رسميًا في نوافذ مراكز التسوق وفي شوارع المدن.

هذه الاستراتجية متواجدة بشكل خاص في قطاعي البيع بالتجزئة والمطاعم. حيث تواصل السلاسل الدولية العمل من خلال اتفاقيات الترخيص التي تسمح لرجال الأعمال الروس بالاحتفاظ بأعمالهم الأصلية. في مثل هذه الحالات، قد تدعي الشركات أنها لم تعد موجودة بشكل مباشر في السوق، على الرغم من أن منتجاتها وخدماتها لا تزال متاحة للمستهلكين. على سبيل المثال، تظل سلسلة مطاعم الوجبات السريعة برجر كنج في السوق الروسية، حيث أن معظم المطاعم مملوكة لأصحاب الفرانشايز المحليين ولا تستطيع شركة الإدارة إنهاء عملياتها. وفي قطاع الفنادق، الوضع مشابه: حيث تستمر سلاسل كبرى مثل ماريوت وهيلتون في الوجود في روسيا من خلال عقود الفرانشايز، حيث يتم إدارة الفنادق من قبل مشغلين مستقلين، على الرغم من قرارات الشركات بتعليق العمليات.

لقد اكتسبت الواردات الموازية أهمية خاصة في سياق العقوبات وانسحاب العلامات التجارية الأجنبية. تلك الآلية يتم من خلالها استيراد البضائع من الشركات الأجنبية إلى البلاد عبر دول ثالثة دون موافقة رسمية من الشركة المصنعة أو ممثليها. وبعد فرض العقوبات وإعلان عدد من الشركات انسحابها، شرعت الحكومة الروسية هذه الممارسة، مما سمح لها بالوصول إلى مجموعة واسعة من السلع الدولية.

لقد أصبحت الواردات الموازية أداة مهمة، وخاصة في مجالات مثل الإلكترونيات والسيارات والملابس. على سبيل المثال، على الرغم من الانسحاب الرسمي لشركة أبل، لا تزال منتجاتها تدخل روسيا من خلال موزعين في تركيا وكازاخستان ودول أخرى لا تدعم العقوبات. كما لا تزال سيارات بي إم دبليو ومرسيدس متوفرة في السوق الروسية بفضل عمليات التسليم من خلال وسطاء. والوضع مماثل لعدد من السلع الاستهلاكية، بما في ذلك الملابس ومستحضرات التجميل.

وبالتالي، فإن انسحاب الشركات العالمية لم يؤد إلى نقص في منتجاتها. وذلك لان الواردات الموازية تحافظ على العرض في السوق، على الرغم من أن أسعار هذه السلع غالبًا ما تكون أعلى بسبب تكاليف الخدمات اللوجستية والرسوم الإضافية.

وقد وجدت بعض الشركات طرقًا أخرى للحفاظ على وجودها في السوق الروسية مع تجنب المشاركة المباشرة.وعلى الرغم من إغلاق أعمالها رسميًا، فإنها تواصل جنى الارباح من خلال اتفاقيات الترخيص أو الإتاوات أو أنواع أخرى من الالتزامات التعاقدية. في مثل هذه الحالات، تحتفظ الشركات بملكيتها الفكرية وتستفيد دون إدارة الأعمال بشكل مباشر. على سبيل المثال، تواصل شركة نستله، التي أعلنت أنها تنهي جزءًا كبيرًا من أعمالها، جني الأرباح من خلال اتفاقيات الشراكة ومدفوعات الترخيص. والوضع مماثل بالنسبة لشركة تصنيع مستحضرات التجميل لوريال، التي قلصت عملياتها في روسيا لكنها احتفظت بقنوات التوريد من خلال الموزعين المحليين. وفي صناعة السيارات، تواصل شركات مثل تويوتا وفولكس فاجن، بعد أن أوقفت الإنتاج والمبيعات المباشرة، جني الارباح من خلال توريد قطع الغيار والخدمات التي ينظمها شركاء محليون.

وفي بعض الحالات، تظل العلامات التجارية مملوكة من قبل تلك الشركات، لكنها تنقل الإدارة إلى شركات محلية، وبالتالي تتحايل على العقوبات وتحافظ على العمليات. وهذا يسمح لها بتقليل الخسائر والحفاظ على نفوذها في السوق الروسية دون انتهاك التزاماتها القانونية تجاه البلدان التي تدعم العقوبات.

″ما فائدة الاسم؟″ وجدت الشركات الغربية طرقًا للالتفاف على العقوبات والبقاء في روسيا باستخدام أسماء شركات وهياكل قانونية مختلفة. في رواية روميو وجولييت لويليام شكسبير، أدلت بطلته الأنثى بالمقولة الشهيرة التي دخلت اللغة الإنجليزية كمثل يوم وهي ″ما فائدة الاسم؟″ كانت جولييت تتحدث عن حبيبها روميو وأنها لا تهتم باسمه، وكانت المسرحية تدور حول العداء بين العائلتين مونتاغيو وكابوليت. كان روميو ليصبح نفس الرجل الرائع بدون اسمه. وهذا المثل يعني الان أن الاسم في حد ذاته لا يحمل قيمة جوهرية أو يحدد جوهر الكيان أو الشخص. وعلى نحو مماثل، أصبح الاسم الذي تعمل به الشركات الغربية الآن في روسيا ثانويًا مقارنة بالمنتجات والسلع والخدمات التي توزعها.

على الرغم من أن الإعلانات حول الانسحاب الجماعي للشركات الأجنبية من روسيا أصبحت عنصرًا مهمًا للضغط الاقتصادي على البلاد، إلا أن العديد منها استمرت في العمل من خلال مخططات مختلفة. سمحت مبيعات الأصول والفرانشايز والواردات الموازية للعلامات التجارية الغربية بالحفاظ على حضور كبير في السوق الروسية، وإن كان في شكل معدّل قليلاً. وهذا يوضح أن الروابط الاقتصادية العالمية معقدة ومترابطة لدرجة أن الانهيار الكامل للعلاقات بين البلدان أمر صعب تحقيقه، حتى في مواجهة العقوبات والضغوط السياسية.

الصورة: سانت بطرسبرغ، روسيا – 27 أبريل 2022: يظهر تركيب فني حضري، ZAMESTIM، في شارع Malaya Konyushennaya. يتكون التركيب الفني، الذي يكتب عبارة روسية تعني ″سنحل محلهم″، من الأحرف الأولى من أسماء العلامات التجارية للشركات الأجنبية التي أوقفت عملياتها في روسيا فيما يتعلق بالعقوبات الغربية. ألكسندر ديميانشوك تاس © IMAGO / ITAR-TASS

WordPress Cookie Notice by Real Cookie Banner