تعد مصر أهم مضيق لاتصالات الإنترنت العالمية، حيث تنتقل البيانات عبر قاع المحيط إلى أوروبا وخارجها عبر كابلات بحرية تحت الماء تربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر. وتتنافس الصين وروسيا والولايات المتحدة الآن على الهيمنة على هذه الكابلات العابرة للقارات تحت الماء. وعلى الرغم من ان مشروع جوجل للكابل البحري ″بلو رامان″ يربط الهند وأوروبا عبر إسرائيل، إلا ان هيمنة مصر على هذا العالم تحت الماء تظل بلا منازع. واليوم، سلطت الحرب في أوكرانيا وتفجيرات ″نورد ستريم″ الضوء على الطبيعة الهشة لنظام الكابلات الحيوي تحت البحر.
Alexandra Dubsky, 16/06/2023
ينتقل ما يقرب من 95 بالمائة من الإنترنت العالمي العابر للقارات عبر الكابلات الموجودة تحت سطح البحر والتي تمتد في قاع المحيط. حيث تنقل هذه المجموعة الكبيرة من الكابلات، المملوكة من قبل كيانات خاصة ومملوكة للدولة، كل شيء بدءًا من بيانات التسوق إلى المستندات الحكومية إلى البحث العلمي الذي يتم إجراؤه عبر الإنترنت.
عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، استهدف الجيش الروسي الكابلات البحرية التي تربط شبه الجزيرة بالبر الرئيسي للسيطرة على المعلومات التي تحملها. وفي عام 2019، ادعت تايوان أن بكين تستخدم كابلاتها البحرية في المحيط الهادئ للتجسس وسرقة البيانات. هذا وقد أوقفت الولايات المتحدة مشروع جوجل لبناء كابل إنترنت من الولايات المتحدة إلى هونج كونج، بحجة أن الصين قد تستخدم قانون الأمن القومي الجديد للوصول إلى بيانات الكابل من جانب هونج كونج. واليوم، تنقل الكابلات البحرية حركة مرور الإنترنت في جميع أنحاء العالم وتحمل كميات هائلة من البيانات التي تعتبر مخزونا ضخما من المعلومات للحكومات.
تعمل الصين وروسيا على إعادة تشكيل التصميم المادي للإنترنت من خلال الشركات التي تتحكم في البنية التحتية للإنترنت. وهدفهم في ذلك هو نقل البيانات بشكل أكثر ربحية واكتساب المزيد من السيطرة على مضايق الإنترنت التي ستكون ميزة للتجسس. ولقد أدى النمو الهائل للحوسبة السحابية إلى زيادة حجم وحساسية البيانات التي تنتقل عبر هذه الكابلات.
على مدار الـ 180 عامًا الماضية، تم بناء كابلات نقل الإنترنت مبواسطة شركات القطاع الخاص الأمريكية. في السنوات الأخيرة، استحوذت شركات الإنترنت الكبيرة مثل فيسبوك وجوجل على جزء كبير من ملكية هذه الكابلات، ولقد استحوذت أيضًا الشركات الصينية المملوكة للدولة مثل هواوي وتشاينا تيليكوم وتشاينا يونيكوم على جزء من ملكية هذه الكابلات.
ويمتد الكابل الضوئي البحري ″آسيا – أفريقيا – أوروبا رقم 1″ 25 حوالي ألف كيلومتر في قاع البحر، ويربط بين هونغ كونغ ومرسيليا. ويمر إجمالي 16 من هذه الكابلات البحرية من خلال البحر الأحمر بطول حوالي 1932 كيلومترًا، ثم تمر بمصر برا وتستمر إلى البحر الأبيض المتوسط، لتربط بين أوروبا وآسيا، ويتضمن هذا المسار أيضًا نقطة الاختناق لقناة السويس الشهيرة.
في تقرير أصدره البرلمان الأوروبي في يونيو 2021 حول ″التهديدات الأمنية لكابلات الاتصالات البحرية والبنية التحتية – العواقب على الاتحاد الأوروبي″، تم تحديد أن ″نقطة الاختناق الأكثر أهمية بالنسبة للاتحاد الأوروبي هو المرور بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط عبر البحر الأحمر″. لأن الاتصال الأساسي بآسيا يمر عبر هذا الطريق″، وأشار إلى التطرف والإرهاب البحري باعتبارهما أخطار رئيسية.
وتوجد عشر محطات لإنزال الكابلات على سواحل البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر في مصر، وما لا يقل عن 15 معبرًا بريًا في جميع أنحاء البلاد. ويتم تشغيل عشر من هذه المحطات من قبل شركة الاتصالات المصرية العملاقة ″المصرية للاتصالات″ (TE) والتي تمتد كابلاتها في المنطقة من البحر الأبيض المتوسط إلى أماكن بعيدة مثل سنغافورة.
ووفقا لشركة المصرية للاتصالات فإن 17% من حركة الإنترنت تتدفق عبر مصر. وتشير مصادر أخرى إلى أن هذا التقدير متحفظ للغاية، وقدرت أن النسبة المئوية لحركة الإنترنت العالمية عبر مصر تصل إلى 30%: مما يعني فعليًا ربط ما يتراوح بين 1.3 مليار إلى 2.3 مليار شخص حول العالم رقميًا.
حيث قال هيو مايلز، مؤسس البودكاست المصري عرب دايجست: ″إنها إحدى الأوراق الرابحة في مصر، مثل الأهرامات، فهي تجارة خالدة، حيث انهم اعتادوا القيام بأعمال تجارية والتربح من السياحة لكنهم الآن يفعلوا ذلك باستخدام مع البيانات. إنها قناة السويس الرقمية التي تتاجر بموقعها الجيوسياسي″.
هناك رسوم يتم فرضها على السعة، لكن السعر ليس هو ما يقلق الصناعة. ولكن التحدي يكمن في ما اذا كان سيحدث تسريب، أو نوع من عدم الاطمئنان التنظيمي، الذي يمنع عملية النقل.
من المؤكد انه قد حدث انقطاعات في المنطقة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن مياه البحر الأحمر الضحلة نسبيًا أدت إلى انقطاع الكابلات عدة مرات على مر السنين. وفي عام 2013، ألقت البحرية المصرية القبض على ثلاثة أشخاص لقيامهم بقطع كابلات الإنترنت في المياه الضحلة للبحر الأحمر. هذا وقد واجهت الكابلات القريبة الأخرى انقطاعات في نفس الوقت
ومع ذلك، فإن مصر هي الطريق الوحيد الحالي المتاح. حيث إن الاتصالات التي تنتقل عبر أفريقيا أطول، ولا يوجد خيار ثان مناسب في الشمال. ويمر كل طريق آخر عبر أماكن أكثر اضطرابا مثل روسيا، أو سوريا، أو العراق، أو إيران، أو أفغانستان.
ولا تستطيع شركة Starlink التي أنشأها إيلون موسك، والتي تعمل على نشر الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، أن تحل محل البنية التحتية المادية بالكامل. حيث انه لا يوجد بديل للكابلات البحرية قابل للتطبيق.
التحدي الأكبر لاحتكار الكابلات البحرية في مصر يأتي من شركة جوجل. حيث أعلنت الشركة في يوليو 2021 أنها تقوم ببناء كابل “بلو رامان” البحري الذي سيربط الهند وأوروبا، والذي سوف يمر عبر البحر الأحمر، لكنه لن يعبر الأراضي في مصر للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، بل سيمر فوق إسرائيل. ووفقًا لشركة جوجل، فانه من المتوقع أن يكون المشروع الجديد جاهزًا للعمل في عام 2024، ومن المتوقع أن يتم تشغيل المزيد من الكابلات في وقت لاحق عبر الدولة اليهودية، هذا وتشمل الطرق البديلة الأخرى المخطط لها الربط بين أفريقيا والأميركتين وسنغافورة.
ومع ذلك، ونظرًا لموقع مصر الجغرافي، ستظل دائمًا مركز اتصالات الإنترنت والاتصال في أوروبا وآسيا. حيث ذكر آلان مولدين، مدير الأبحاث في شركة أبحاث الاتصالات Tele Geography في واشنطن العاصمة: ″إذا كنت تريد توجيه الكابلات بين أوروبا والشرق الأوسط إلى الهند، فأين هي أسهل طريقة للذهاب؟ إنها عبر مصر، حيث إنها أقل مساحة من الأرض يجب عبورها.
ووفقا للوضع الحالي، فإن هذا لن يتغير في أي وقت قريب.