يستخدم الهيدروجين الأخضر الكهرباء المتجددة لتقسيم جزيئات الماء. ولقد قامت الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والهند، وجمهورية كوريا، واليابان، وأستراليا بزيادة دعمهم في إطار جهودهم الرامية إلى التقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري. حيث ان بدون تلك الإعانات، لا يمكن للهيدروجين الأخضر أن يتنافس حاليًا مع الهيدروجين المصنوع من الغاز الطبيعي. وبدعم من بنك التنمية للبلدان الأمريكية (IBD)، يمكن لدول المخروط الجنوبي أن تدرك إمكاناتها لتصبح لاعبا رئيسيا في سوق الهيدروجين منخفض الكربون العالمي.
يتطلب تبديل مصدر الطاقة تغييرات في كلا من أساليب إنتاج الطاقة واستخدام الطاقة. فمن ناحية الامداد، يتضمن ذلك تطوير التقنيات غير الأحفورية، والوقود الاصطناعي، والبنية التحتية للتخزين والنقل. ومن ناحية الطلب، فإنه يستلزم تعزيز كفاءة استخدام الطاقة، واستبدال المعدات، والكهربة، وتغيير أنماط الاستهلاك. ومن الممكن أن يلعب الهيدروجين (H2) دوراً حاسماً من خلال استبدال الوقود الأحفوري في المناطق التي لا يكون فيها استخدام الكهرباء ممكناً، مثل العمليات الصناعية التي تستهلك الطاقة بكثافة، والطيران، والنقل البحري أو البري لمسافات طويلة. في الوقت الحالي، يتم تصنيع معظم الهيدروجين باستخدام الغاز الطبيعي، وهو الوقود الأحفوري. ولكن على النقيض يستخدم الهيدروجين الأخضر الكهرباء المتجددة لتقسيم جزيئات الماء.
ومع ذلك، يواجه الهيدروجين منخفض الكربون (الهيدروجين الأخضر) عدة عوائق تقلل من قدرته في ان يصبح قادرًا على المنافسة في مختلف تطبيقات الاستخدام النهائي. حيث يتمثل التحدي الرئيسي في التكلفة، التي لا تزال مرتفعة وغير قادرة على المنافسة مقارنة بالإنتاج المعتمد على الوقود الأحفوري دون احتجاز الكربون (الهيدروجين الرمادي أو البني). بالإضافة إلى ذلك، يشكل تخزين ونقل الهيدروجين بعض التحديات، خاصة عند التعامل مع كميات كبيرة ومسافات طويلة. إن التغلب على هذه الحواجز وتمكين الهيدروجين الأخضر من أن يصبح ناقلاً للطاقة على نطاق واسع يتطلب إجراءات سياسية محددة في مراحل التنمية المختلفة: أولا، تحقيق النضج التكنولوجي، ثم اختراق الأسواق المحلية / العالمية، واخيرا تحقيق النمو المستدام.
في عام 2022، زاد الدعم الحكومي للهيدروجين الأخضر على مستوى العالم بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والهند وأستراليا والولايات المتحدة. حيث يهدف قانون الرئيس بايدن للحد من التضخم إلى خفض تكلفة الهيدروجين الأخضر الأمريكي إلى ربع المستويات الحالية خلال عقد من الزمن من خلال سلسلة من الحوافز الضريبية بمبلغ 9.5 مليار دولار أمريكي. ولقد اعتمد الاتحاد الأوروبي استراتيجية الاتحاد الأوروبي للهيدروجين في عام 2020 بهدف زيادة حصة الهيدروجين في مزيج الطاقة في الاتحاد الأوروبي إلى 13-20٪ بحلول عام 2050.
ولقد اظهر الفحص التفصيلي لخرائط الطريق بالبلدان إمكانية تحقيق نمو هائل في حصة الهيدروجين الأخضر في مصفوفة الطاقة العالمية. ووفقا لمجلس الهيدروجين العالمي، وهو لوبي هيدروجين قوي تقوده الصناعة تأسس في عام 2017، فان النمو السنوي المتوقع في الطلب على الهيدروجين بحلول عام 2030 يظهر معدلا معتدلا قدره 4.5٪ (المتوسط السنوي) مقارنة بنسبة 8.1٪ المتوقعة للفترة 2030-2050. هذا الاتجاه ذو السرعتين هو نتيجة لمشاريع الهيدروجين النظيف الحالية التي تكون في الغالب في المرحلة التجريبية أو ما قبل التجارية، بقدرات كهربائية أقل بكثير من 50 ميجاوات. ومع ذلك، اعتبارًا من عام 2030 فصاعدًا، فمن المتوقع أن تؤدي التخفيضات المرتقبة في التكاليف والأطر التشريعية العالمية الأشد المتعلقة بانبعاثات الكربون إلى خلق حوافز لزيادة الطلب.
علاوة على ذلك، فإن 75% من الطلب العالمي المتوقع بحلول عام 2050 (660 مليون طن سنوياً) سوف يتركز في عدد قليل من الأسواق: الصين والهند واليابان وجمهورية كوريا وأوروبا (باستثناء روسيا) وأمريكا الشمالية. وتتوقع الصين أن يبلغ الطلب ما يقرب من 200 مليون طن سنويًا بحلول عام 2050 وتهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الهيدروجين منخفض الانبعاثات. والوضع في أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا) مماثل، حيث يعدا مستهلكان رئيسيان، ولكن لديهما أيضًا القدرة على الإمداد الذاتي. وفي المقابل، فإن اليابان وجمهورية كوريا وأوروبا في وضع غير مؤات حيث يفتقروا الى المساحة الكافية أو الموارد الطبيعية لإنتاج الهيدروجين الذي تتوقع استهلاكه. وبالتالي، فإن واردات الهيدروجين منخفض الكربون ومشتقاته سيكون امر ضروري لتحقيق أهداف والتزامات تلك الدول البيئية.
ما هو الدور الذي تلعبه دول المخروط الجنوبي ــ الأرجنتين، والبرازيل، وتشيلي، وباراجواي، وأوروغواي ــ في هذا السياق؟
تتمتع بلدان المخروط الجنوبي بوضع جيد يؤهلها لأن تصبح لاعبا رئيسيا في السوق العالمية للهيدروجين منخفض الكربون. فمن ناحية، تتمتع هذه البلدان بموارد وفيرة من الطاقة النظيفة ووفرة في الأراضي لإنتاج الهيدروجين منخفض الكربون، مما يجعلها دول مصدرة محتملة. ومن ناحية أخرى، فإن المساهمة المحتملة للهيدروجين في تقليل الانبعاثات تعد منخفضة نسبيًا مقارنة بالبدائل الأخرى، مثل الكهرباء المباشرة وتحسينات كفاءة الطاقة – والتي يمكن تنفيذها بسرعة أكبر وبتكلفة أقل.
ويٌظهر التحليل الذي اجراه بنك التنمية للبلدان الأمريكية (IDB) أن بلدان المخروط الجنوبي تتمتع بميزة نسبية عند تقييم تكاليف الإنتاج المحتملة على المدى المتوسط إلى الطويل في العديد من المناطق. على سبيل المثال، يبلغ متوسط التكلفة المستوية للهيدروجين (LCOH) المقدرة لعام 2050 في بلدان المخروط الجنوبي 4 3 دولارات أمريكية/كجم (يتراوح من 4.1 إلى 4.5) مقارنة بـ 4.6 دولارات أمريكية/كجم في كندا و4.8 دولارات أمريكية/كجم في أستراليا.
بالإضافة إلى ذلك، فان منطقة المخروط الجنوبي تتمتع بخبرة كبيرة في استثمارات الطاقة المتجددة، وتجارب يمكن تكرارها في صناعة الهيدروجين. على سبيل المثال، وفر مجمع سالتو غراندي للطاقة الكهرومائية 3% من الطلب على الكهرباء في الأرجنتين و33% من الطلب في أوروغواي (بين 2017-2021)، وهو مثال للقدرة على التوليد المنظمة والتكامل الإقليمي. ومن الممكن تعريف القدرة على التوليد على أنها “الحد الأعلى لإنتاج الكهرباء الذي يمكن لمحطة توليد الطاقة أو نظام توليد الطاقة تحقيقه خلال إطار زمني محدد، ويتم قياسه عادةً بالميغاواط (MW) أو الجيجاوات (GW) “
ومع ذلك، فإن الطريق أمامنا طويل، ويطرح تحديات متعددة، بما في ذلك تكلفة رأس المال والقدرة على الوصول إليه وقوة الأطر المؤسسية.
ويقوم بنك التنمية للبلدان الأمريكية ببناء خارطة الطريق لدول المخروط الجنوبي لإدراك امكانات الهيدروجين الأخضر. ولتحقيق ذلك، فهو يقدم المساعدة الفنية ويدعم الإصلاحات الهيكلية التي من شأنها خلق فرص الاستثمار الخاصة واسعة النطاق. وفي هذا السياق، يعتقد بنك التنمية للبلدان الأمريكية أنه من الضروري معالجة الثغرات القانونية والتنظيمية بسرعة في جميع أنحاء سلسلة القيمة. وهذا يعني تجديد التشريعات المتعلقة بقطاع الطاقة والهيئات التنظيمية؛ ومن خلال تحديد واعتماد معايير شهادات بلد المنشأ؛ وتعزيز التكامل الإقليمي للبنية التحتية الرئيسية مثل الموانئ والطرق وخطوط الكهرباء وخطوط الأنابيب. وعلى سبيل المثال، فان بنك التنمية للبلدان الأمريكية قد وافق مؤخرا على قرض قائم على النتائج لتشيلي (400 مليون دولار أمريكي) يهدف إلى: (1) تشجيع استثمارات الهيدروجين الأخضر ومشتقاته الخاصة؛ و(2) توسيع الامدادات من المدخلات العامة لصناعة الهيدروجين الأخضر ومشتقاته وتعزيز الطلب المحلي على هذه المنتجات.
سيلعب الهيدروجين الأخضر دورًا مهمًا في تحقيق الأهداف المناخية لاتفاقية باريس. وفي هذه القصة التي لم تُكتب بعد، تجد بلدان المخروط الجنوبي نفسها في وضع فريد وواعد لتصبح جهات فاعلة رئيسية تقود التغيير المستدام.