تتمتع اليابان بسجل حافل في أفريقيا حيث يعقد مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية كل ثلاث سنوات ويتمحور حول أفريقيا. ولقد عُقد المؤتمر الاخير في تونس في أغسطس 2022. ويوضح المؤتمر للشركاء الأفارقة الآخرين كيفية بناء شراكات ناجحة. وذلك حيث ان مشاركة اليابان في أفريقيا توضح أن البلدان الأفريقية غير مضطرة للاعتماد على أوروبا، أو الولايات المتحدة، أو الصين، أو روسيا.
Michael Asiedu 5/12/2022
نفذت الوكالة الدولية اليابانية (جايكا)، وهي الذراع المساعدة التنموية الرسمية في اليابان، على مدى تاريخها الذي يمتد لثلاثة عقود تقريبا، مشاريع مع ما يقرب من 35 دولة أفريقية وأنشأت مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية (تيكاد) الذي يعقد كل ثلاث سنوات. ولقد استعرض مؤتمر تيكاد الأخير ، الذي عقد في تونس في الفترة من 27 إلى 28 أغسطس، أحدث نجاحات المشاركة اليابانية في أفريقيا حيث التزمت اليابان باستثمار 30 مليار دولار أمريكي في افريقيا على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
ويهدف مؤتمر طوكيو إلى تعزيز الحوار السياسي بين القادة الأفارقة وشركاء التنمية، بالإضافة الى نقل الموارد اللازمة للقيام بمبادرات المساعدة الذاتية في البلدان الأفريقية، حيث يستخدم مؤتمر طوكيو الدولي منهجًا فريدًا متعدد الأطراف لتنظيم المؤتمرات. وذلك حيث يتم تنظيم هذه المؤتمرات بشكل مشترك من قبل حكومة اليابان، ومفوضية الاتحاد الأفريقي (AUC)، والأمم المتحدة (UN)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، والبنك الدولي.
ومنذ إنشاء تيكاد قبل ثلاثين عامًا تقريبًا، فلقد تم تنظيم ثمانية مؤتمرات بمشاركة فعالة من القادة وكبار المسؤولين من الدول الإفريقية واليابان والمنظمات الدولية. وتكون نتيجة المؤتمر دائمًا هي اعتماد النتائج (الإعلان) الذي يحكم العلاقات اليابانية الإفريقية لمدة ثلاث سنوات.
ولقد ركزت النتيجة الختامية (إعلان طوكيو عام 1993) الصادرة عن المؤتمر الافتتاحي على “اعتماد البلدان الأفريقية على نفسها، والتنمية الاقتصادية من خلال أنشطة القطاع الخاص، والتعاون والتكامل الإقليميين، والتعاون المستقبلي بين بلدان الجنوب فيما بين شرق وجنوب شرق آسيا وأفريقيا”. ولقد شكلت هذه المفاهيم التوجيهية حول “الملكية والشراكة” جميع المؤتمرات اللاحقة.
ومنذ مؤتمر طوكيو الخامس عام 2013، تتناوب الدولة المضيفة بين أفريقيا واليابان كل ثلاث سنوات، ولقد كانت كينيا وتونس أول الدول الأفريقية المضيفة.
وفي الوقت الحالي، يظل مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في أفريقيا وجايكا هما الركائز الأساسية للعلاقات اليابانية الأفريقية. ولكن عندما يتعلق الأمر باستثمارات اليابان في أفريقيا، فان رئيسة أبحاث اليابان في معهد الدراسات السياسية الدولية، سيلين باجون، توضح إن اليابان تحاول “اللحاق باستثماراتها المتأخرة” في أفريقيا. حيث تعهد رئيس الوزراء السابق شينزو آبي بتقديم دعم مالي بقيمة 60 مليار دولار أمريكي في كل من مؤتمري طوكيو الخامس عام 2013 والسادس عام 2016 على التوالي. ومع ذلك فانه وبحلول عام 2019، لم يتم تحقيق أهداف اليابان الاستثمارية، حيث بلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا 12 مليار دولار أمريكي. ولقد أثرت جائحة كوفيد أيضًا على الاستثمار الأجنبي المباشر الياباني في أفريقيا، حيث انه وفقًا لوزارة المالية اليابانية، فلقد كان هناك انخفاض في الاستثمار الأجنبي المباشر من 590 مليون دولار أمريكي في عام 2019 إلى 310 ملايين دولار أمريكي في عام 2021.
وبصرف النظر عن النقص في الاستثمار الأجنبي المباشر في اليابان، فان اليابان تعد أكبر مانحي للقروض الميسرة لبنك التنمية الأفريقي. حيث وقعت جايكا اتفاقية مع بنك التنمية الأفريقي لتقديم 668.1 مليون دولار أمريكي لدعم التجديد الخامس عشر لموارد صندوق التنمية الأفريقي.
اما فيما يتعلق بالتجارة المباشرة، فان دخول اليابان في أفريقيا لم يؤدي إلى زيادة كبيرة في العلاقات التجارية. ولا تزال البلدان الأفريقية تمثل حصة هامشية من حجم التجارة الثنائية في اليابان. وبالرغم من ذلك فان العلامات التجارية اليابانية تظهر بقوة في قطاع البناء في أفريقيا، وفي صناعات الإلكترونيات والسيارات والدراجات النارية. وتتمتع العلامات التجارية مثل هوندا ونيسان وتويوتا وكوماتسو وباناسونيك وكانون وياماها بحصة كبيرة في معظم الأسواق الأفريقية وتحظى بشعبية كبيرة.
ووفقًا لموقع جايكا الرسمي، فلقد تم انفاق أكثر من 1.5 مليار دولار أمريكي على مبادرات مختلفة في القارة الأفريقية في عام 2020، وذلك ضمن إعلان يوكوهوما الصادر في مؤتمر طوكيو السابع والذي شمل أركانه الثلاثة وهي: 1) مشاركة الاقتصاد والقطاع الخاص؛ 2) مجتمع مستدام ومرن؛ و 3) تعزيز السلام والاستقرار. ولقد تضمن الإعلان تدريب 23000 من العاملين في مجال الرعاية الصحية، و46000 من العاملين في القضاء والشرطة والأمن ولقدتم تدريب 26000 آخرين على تنويع الصناعات وخلق فرص العمل في مختلف البلدان الأفريقية التي تعمل فيها جايكا. وكانت مساعدة جايكا أيضًا حاسمة بالنسبة لبرنامج التحالف من أجل تنمية الأرز الأفريقي (CARD)، الذي أنتج 32 مليون طن من الأرز في عام 2019، حيث تم تخصيص 490 مليون دولار أمريكي إضافية لتحسين ربط الطرق في البلدان العاملة في جايكا.
بالإضافة إلى ذلك، وكجزء من مبادرة جايكا للصحة العالمية والطب في أفريقيا، فلقد تلقت أكثر من 30 دولة أفريقية مساعدة بقيمة 600 مليون دولار أمريكي في شكل معدات وإمدادات وأموال طبية لتعزيز التأهب والتخفيف من تأثير الوباء.
ونظراً لهذه التطورات، لم يعد من الممكن تجاهل البصمة اليابانية في القارة الأفريقية. وفي مؤتمر تيكاد (TICAD VIII) الذي انعقد مؤخرًا في تونس (27 و28 أغسطس 2022)، أعلنت اليابان عن تخصيص 30 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة لتعزيز رأس المال البشري في أفريقيا بالإضافة إلى الأعمال التجارية الزراعية والرعاية الصحية. ولقد كان مؤتمر طوكيو الثامن مهمًا لأنه كان أول مشاركة يابانية-إفريقية بعد كوفيد-19 على الأراضي الأفريقية، بحضور أكثر من 20 رئيس دولة أفريقية، بالإضافة إلى كبار المسؤولين من المؤسسات الإقليمية والقارية والدولية مثل الاتحاد الأفريقي، الأمم المتحدة، والبنك الدولي. ولقد أدلى رئيس وزراء اليابان كيشيدا فوميو بنفسه بتصريحاته عبر الفيديو عقب ثبوت إصابته بكوفيد-19.
ويتضح من انخراط اليابان في أفريقيا أن البلدان الأفريقية لا يتعين عليها الاعتماد فقط على ما يسمى بالشركاء التقليديين مثل أوروبا والولايات المتحدة وما إلى ذلك، انما يجب على البلدان الأفريقية توسيع نطاقها فيما يتعلق بشركائها وأن تكون واضحة وموجزة في أهداف الشراكة الخاصة بها. حيث يعد ذلك أمر للغاية نظرا لغموض الوضع الاقتصادي العالمي عقب الوباء. هذا وتحتاج أفريقيا إلى استثمارات في الصناعات الرئيسية مثل التكنولوجيا والزراعة والقطاع الاستخراجي.
وتحتاج البلدان الأفريقية إلى مواصلة استكشاف شركاء غير تقليديين إضافيين عن طريق مؤتمرات ثنائية تركز على افريقيا مثل مؤتمر طوكيو الدولي المعني بالتنمية في أفريقيا الفريد من نوعه. لإنه بمثابة منصة متعددة الأطراف حيث انه لا يضم فقط اليابان وأفريقيا، ولكنه يضم أيضًا مؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأفريقي، الذين يعدوا أصحاب مصلحة ومراقبين مهمين للوثائق الختامية.
وأخيرا، توفر الوثيقة الختامية، التي يطلق عليها اسم ″الإعلان″، نقطة محورية. فالإعلان يحدد الأهداف المبتغاة حتى انعقاد المؤتمر القادم. حيث حدد إعلان تونس الأهداف التالية للسنوات الثلاثة القادمة: 1) الاقتصاد: تحقيق تحول هيكلي من أجل النمو الاقتصادي المستدام والتنمية الاجتماعية؛ 2) المجتمع: تحقيق مجتمع مرن ومستدام؛ و 3) السلام والاستقرار: تحقيق السلام والاستقرار المستدامين.