أعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مؤخرا عن ممر نقل جديد في قمة مجموعة العشرين في دلهي، والذي في اعتقاده سيعيد تشكيل التجارة العالمية لعدة قرون. وكشف عن هذا الممر الاقتصادي كلا من الرئيس الأمريكي جو بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. من المخطط ان يربط هذا الممر بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، مما يمثل تحولًا في علاقتهما وربما يكون بمثابة منافس لمبادرة الحزام والطريق الصيني (BRI). هل يمكن أن يصبح IMEC حقًا مشروعًا يغير قواعد اللعبة ويعيد تعريف ديناميكيات التجارة العالمية؟
Meric Sentuna Kalaycioglu
2023/11/17
Spanish version | French version | Chinese version | English version
الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا IMEC
يتم التحضير حاليا لمبادرة رائدة تعرف باسم الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) وتهدف تلك المبادرة الي اعادة تشكيل التجارة العالمية والتواصل من خلال تعزيز التكامل الاقتصادي وتسهيل حركة البضائع والأشخاص بين آسيا والخليج العربي وأوروبا. وقد بدأ المشروع بتوقيع مذكرة تفاهم في 10 سبتمبر 2023 خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي، ولقد حظي باهتمام دولي لقدرته على تعزيز روابط النقل والاتصالات على نطاق غير مسبوق.
وقد حظي الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا بالترحيب باعتباره إجراءً استراتيجيًا ومنافس لمبادرة الحزام والطريق الصينية BRI ، وذلك حيث يهدف المشروع لوجود ممر من الهند إلى أوروبا عبر دول هامة بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل واليونان. ومن المقرر أن يستخدم هذا الممر الاقتصادي الطموح شبكات السكك الحديدية والشحن، الأمر الذي سيؤدي إلى تسريع حركة التجارة وسيوفر بديلاً لقناة السويس.
لقد كانت ردود الفعل على الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا IMEC مختلطة، وذلك حيث انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المشروع لأنه يتخطى تركيا واقترح طريقًا بديلاً: ″ مشروع طريق تنمية العراق ″ ، الذي سيربط الخليج الفارسي بأوروبا عبر السكك الحديدية والطرق السريعة عبر موانئ في الإمارات العربية المتحدة وقطر وميناء الفاو الكبير الذي يتم انشاءه حاليا في العراق.
منافسة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا IMEC مع مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI)
منذ إطلاقها في عام 2013، انحرفت أهداف مبادرة الحزام والطريق تدريجياً عن مخططها الأصلي. حيث انه بدلاً من التركيز فقط على البنية التحتية للخدمات اللوجستية والنقل، قامت بكين بتوسيع تفسيرها لمبادرة الحزام والطريق لتشمل مجموعة واسعة من مشاريع البنية التحتية الأخرى في جميع أنحاء العالم. وقد قدمت البنوك الصينية قروضًا لمشاريع مختلفة، انتهى الأمر بالعديد منها إلى خدمة المصالح التجارية الصينية في المقام الأول، خاصة في أفريقيا، مما اثار تساؤلات الحكومات الأفريقية حول الأساس الاقتصادي لمبادرة الحزام والطريق.
ان دبلوماسية فخ الديون الصينية، هو مصطلح صاغه الأكاديمي الهندي براهما تشيلاني في عام 2017 ويشرح من خلاله الوضع الذي تقوم فيه الصين باعتبارها دولة قوية، بإقراض المال لدولة أقل نموا، وعندما تتعثر الدولة متلقية الدين في السداد، يمكن للصين، بصفتها المُقرض، الاستفادة من هذا الدين لتعزيز مصالحها، مما قد يؤثر على سيادة الدولة متلقية الدين واستقلالها. وقد واجهت الصين اتهامات باستخدام دبلوماسية فخ الديون في العديد من البلدان، وخاصة في ماليزيا وسريلانكا.
ومع ذلك، فانه من الضروري أن ندرك أن مشاريع مبادرة الحزام والطريق بدأتها الحكومات متلقية للدين لتحقيق أجنداتها الخاصة ولصالح النخبة المحلية. ويتميز نظام تمويل التنمية في الصين بالتنسيق الفضفاض والتنظيم الضعيف بسبب تنوع مصادر التمويل، وأيضا الشفافية القاصرة، وإعطاء الأولوية للمصالح التجارية والاستراتيجية. وبالإضافة الى ذلك فان الفساد والافتقار إلى العناية الواجب الالتزام بها في البلد متلقية الدين، يؤدي في كثير من الأحيان إلى نتائج سيئة بتكلفة مالية كبيرة، مما يؤدي إلى ردة فعل عكسية ضد الصين.
وعندما تبين للصين قلة الاهتمام بمشاريع البنية التحتية، قامت بتحويل تركيز مبادرة الحزام والطريق نحو مساعدة البلدان النامية على التصنيع من خلال تمويل المصانع والمرافق الصناعية. وبالرغم من أن هذه الخطوة قد تعالج بعض مخاوف البلدان المضيفة التي تتلقى استثمارات في مبادرة الحزام والطريق، فقد يكون لها أيضًا عواقب غير مقصودة، مثل زيادة المنافسة مع البضائع الصينية في السوق العالمية.
لقد شهد منتدى الحزام والطريق الأخير في أكتوبر 2023 في الصين انخفاضًا ملحوظا في الحضور رفيع المستوى، خاصة من أوروبا. وتشير العواقب الجيوسياسية المترتبة على مبادرة الحزام والطريق، والتي تفاقمت عقب تحالف بكين مع موسكو في الصراع الروسي الأوكراني، إلى تغير في تصورات الدول الأوروبية لنوايا الصين.
وفي دراسة حديثة نشرتها مجموعة من المنظمات في عام 2023، بما في ذلك البنك الدولي وكلية كينيدي بجامعة هارفارد، تبين أن الصين قد أنفقت ما يقرب من 240 مليار دولار أمريكي بين عامي 2008 و2021 لمساعدة 22 دولة نامية تواجه حاليا صعوبات في سداد القروض التي حصلت عليها لمشاريع البنية التحتية وفقا لمبادرة الحزام والطريق. وقد تم إنفاق حوالي 80% من هذه الاموال بين عامي 2016 و2021، لصالح البلدان المتوسطة الدخل في المقام الأول مثل الأرجنتين وباكستان ومصر. وأظهرت الدراسة أن مشاريع مبادرة الحزام والطريق قد انخفضت منذ عام 2016، ويرجع ذلك جزئيا إلى الأداء الضعيف لتلك المشاريع.
هل يستطيع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا التنافس مع مبادرة الحزام والطريق ؟
ان مقارنة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا IMEC بمبادرة الحزام والطريق BRI توضح أن الطموحات الكبرى لمبادرة الحزام والطريق قد تضاءلت، وذلك نتيجة لقلة إقراض المشاريع، وضعف أداء مشاريع البنية التحتية، وإعراب دول مثل إيطاليا عن رغبتها في الانسحاب بسبب المخاوف بشأن الافتقار إلى الشفافية.
في حين يُنظر إلى الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا IMEC على أنه ردة فعل لمبادرة الحزام والطريق، إلا أنه هذا الممر يعتبر أقل طموحًا ومن غير المرجح أن بكون على نفس قدر مبادرة الحزام والطريق. وذلك لان السبق الذي حققته الصين على مدى عقد من الزمن، إلى جانب استثماراتها الكبيرة، كان سبباً في توسيع نطاق مبادرة الحزام والطريق إلى أكثر من 150 دولة. علاوة على ذلك، يواجه مرر IMEC منافسة من قناة السويس، وهي جزء لا يتجزأ من مبادرة الحزام والطريق، والتي تقدم حاليًا نقلًا أرخص وأسرع عن طريق البحر.
وعلى الرغم من هذه التحديات، يهدف الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا IMEC إلى أن يشمل أكثر من مجرد التجارة والخدمات ليشمل قطاعات مثل البنية التحتية للكهرباء والأمن السيبراني. ويمكن لهذه القطاعات أن تتماشى مع مبادرة الحزام والطريق أو تتنافس معها. ومع ذلك، فإن قدرة الممر على العمل كمنافس لمبادرة الحزام والطريق تعتمد على عوامل مثل نطاق وحجم المشاريع، وحجم التمويل وتوافره، والدعم الدولي، والأهم من ذلك، الحقائق الجيوسياسية والإقليمية.
ومع اكتساب الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا IMEC زخماً، فإن هذا المشروع لديه القدرة على تغيير طرق التجارة العالمية، ولكن يجب أن يتم التعامل مع العقبات التي تحول دون ذلك. ومما لا شك فيه أن مستقبل هذا الممر الاقتصادي سيتم مراقبته عن كثب من قبل الحكومات والشركات في جميع أنحاء العالم.