يكاد ان ينفد الكوكب من المياه العذبة الصالحة للشرب لمئات الملايين من البشر. تشعر البلدان بضغوط سياسية واقتصادية واجتماعية ناجمة عن تغير المناخ، والنمو السكاني، والهجرة، وزيادة الفقر، والصراعات المسلحة، واهتزاز سلاسل الإمدادات الغذائية. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، شهدت إسبانيا فيضانات غير مسبوقة ودرجات حرارة قياسية وحرائق غابات تجتاح المحاصيل والغابات. ويتعرض مجالا الزراعة والسياحة في إسبانيا، اللتان تتطلبان مليارات اللترات من الماء سنوياً، لتهديد مميت.
Bruce McMichael
2024/1/29
English verison | French version | Spanish version
تعد جنوب إسبانيا واحدة من أكبر المناطق المنتجة لزيت الزيتون في العالم. ويتكون المحصول، في المقام الأول، من زيتون بيكوال المضغوط الذي يتطلب تدفقًا ثابتًا للمياه ليزدهر. ومع ذلك، بلغ معدل هطول الأمطار حول مدينة قرطبة في عام 2023 حوالي 30٪ من المتوسط المسجل في الفترة من 1981 إلى 2010. وفي الغرب، حول مدينة جيان، فإن الأرقام أكثر خطورة حيث تبلغ 16٪ فقط من المتوسط المسجل في الفترة من 1981 الى 2010وذلك وفقًا لأبحاث مرصد الأرض التابع لناسا. يرتب تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة الكوكب عواقب حقيقية على إنتاج الغذاء في جميع أنحاء إسبانيا، ولذلك أصبح إنتاج الزيتون غير مستقر.
هناك مقولة شائعة في إسبانيا، ″En abril, aguas mil″ ومعناها ان ″أبريل سوف يجلب الأمطار. ″ ومع ذلك، سجل أبريل 2023 أقل هطول للأمطار على الإطلاق في جميع أنحاء البلاد، مع ارتفاع درجات الحرارة في الأندلس إلى مستويات شهرية قياسية في إشبيلية (37.8 درجة مئوية) وقرطبة (38.7 درجة مئوية). وفي ذلك الوقت، وافقت الحكومة الإسبانية على خطة بقيمة 2.2 مليار يورو لمساعدة المزارعين والمستهلكين على مواجهة الجفاف المستمر الذي تفاقم بسبب حرارة أبريل.
وفي جميع أنحاء اسبانيا، شهد سبتمبر 2023 هطول أمطار أقل بنسبة 12٪ مما كان متوقعًا، وفقًا لوكالة الأرصاد الجوية الإسبانية (AEMET). مما رجح وجود انخفاض في هطول الامطار لمدة ثلاث سنوات في اسبانيا. تُركت حمامات السباحة في مدينة مالقة فارغة في منطقة كوستا ديل سول الجنوبية المزدحمة بالسياح، والتي تمتد شرق وغرب العاصمة الإقليمية، كما أصبحت ملاعب الجولف جافة.
يُطلق على اسبانيا أحيانًا اسم حديقة أوروبا الخلفية، حيث انها ارض خصبة وتصدر شاحنات محملة بالمنتجات الزراعية. فعلى سبيل المثال، تنتج المقاطعات الجنوبية الشرقية من مورسيا وألميريا وأليكانتي، والتي تشكل قلب الفاكهة والخضروات في إسبانيا، أو ما يسمى ″بستان أوروبا″، نحو 70% من كل صادرات الخضروات و25% من كل صادرات الفاكهة.
وفي إسبانيا، فان أهم ما تستخدم فيه المياه هو الزراعة. حيث يمثل استهلاك قطاع الزراعة الإسباني ما يصل إلى 80% من استهلاك المياه العذبة في اسبانيا.
وقال خوليو باريا، خبير الموارد المائية في منظمة السلام الأخضر بإسبانيا، بحسب تقارير إخبارية معاصرة: ″هذا الجفاف (2023) يوضح لنا حدود النموذج الزراعي الإسباني، الذي يقوم على الانطباع الخاطئ بأن لدينا وفرة من المياه. ″
ويدرس حاليا، الأكاديميون والحكومات وموردو المياه التجاريون، جنبًا إلى جنب مع المستخدمين المحليين، كيفية تقليل استخدام المياه في القطاع الزراعي من خلال تصميم بعض المشروعات مثل إعادة تدوير مياه الصرف الصحي.
وقال روبن ديل كامبو، المتحدث باسم وكالة الأرصاد الجوية الإسبانية، في وقت سابق من هذا العام: ″سجلت إسبانيا البداية الأكثر جفافًا لعام في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2023 منذ بدء التسجيل في الستينيات، وكانت كاتالونيا والأندلس بجنوب إسبانيا الأكثر تأثراً. ″ واضاف ″لقد أدت موجات الحر المتعددة المسجلة في إسبانيا وفي جميع أنحاء أوروبا في صيف عام 2023 إلى تفاقم الجفاف، مما أدى إلى انخفاض مستويات الخزانات مع زيادة تبخر المياه وزيادة الاستهلاك. ″
هناك تصحر زاحف في إسبانيا. ومن نواحٍ عديدة أدت سياسات إسبانيا الى تلك النتيجة، وذلك من خلال تحويل مليارات اللترات من المياه من نهر تاجة في الشمال لري المحاصيل في جنوب شرق إسبانيا.
وفي نوفمبر 2023، نشر تشاتام هاوس، مركز أبحاث الشؤون الدولية ومقره لندن، تقريرًا بعنوان ″الأزمة العالمية الناشئة لاستخدام الأراضي. ″ والملاحظ ان المنافسة المتزايدة على الأراضي تهدد الاستقرار الدولي والبيئي، الأمر الذي يتطلب محاولة تخفيف تلك المخاطر.
ووفقاً لمركز الأبحاث المشترك التابع للاتحاد الأوروبي، فإن زيادة ضخ المياه لأغراض الري الزراعي المكثف، وإمدادات المياه العامة الصعبة، والسياحة، وضعت الخزانات الجوفية تحت ضغط شديد. ويواجه نهرا غواديانا (البرتغال وإسبانيا) وسيجورا (إسبانيا) وجزر البحر الأبيض المتوسط مثل جزر البليار ضغط مائي شديد على مدار العام.
ورغم أن نقص المياه حاد في إسبانيا، إلا أنه يتكرر في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك شمال أفريقيا وأوروبا الوسطى وجنوب الصحراء الكبرى. وسيعمل مؤتمر COP28، المقرر انعقاده في ديسمبر 2023، على مناقشة قضية المياه ووضعها في أعلى جدول الأعمال مع التركيز على الحفاظ على النظم البيئية للمياه العذبة، وتعزيز المياه في المناطق الحضرية وتعزيز النظم الغذائية القادرة على الحد من استخدام المياه. وينبغي التركيز ايضا على التحكم في النمو السكاني، الذي وصل في بعض البلدان الأفريقية إلى ما يقرب من 3٪ في عام 2021. ودعت الدولة المضيفة، الإمارات العربية المتحدة، طاجيكستان وهولندا للمشاركة في قيادة أجندة المياه في الاجتماع.
ويشير بيان صادر عن مؤتمر COP28 إلى أن ″مليارات الأشخاص في جميع أنحاء العالم يواجهون الآن حالات الجفاف الشديد والفيضانات وتلوث المياه بسبب تغير المناخ، مما يزيد من تقويض الأمن الغذائي وتماسك المجتمع والتنمية الاقتصادية. هذه التأثيرات المناخية تؤدي إلى تفاقم التحديات الحالية المتعلقة بالحصول على مياه الشرب النظيفة والصرف الصحي. ″اسبانيا لديها ذات الظروف.
وفي مقاطعة ملقة الجنوبية، أفادت أكوسول أن المنطقة قد تواجه خطر نقص المياه بحلول صيف 2024، بينما شهدت المنطقة في عام 2023 أطول فترة جفاف منذ أكثر من 60 عامًا. وفي إجراء قصير المدى لخفض استخدام المياه بنسبة تصل إلى 20%، فرض مسؤولو المدينة في ملقة، المدينة الرئيسية في المنطقة، حظرًا مؤقتًا، متضمنا حظر غسل السيارات بمياه الشرب وري الحدائق خلال أشهر الصيف.
تسبب الطقس الحار والجفاف في جدل ساخن في الأروقة السياسية في مدريد، حيث تمت الموافقة، في مايو 2023، على خطة استجابة للجفاف بقيمة 2.2 مليار يورو لدعم المزارعين مع الحفاظ على الإنتاج وتجنب نقص الغذاء بعد درجات الحرارة الأعلى على الإطلاق في أبريل.
وتشمل الأموال 1.4 مليار يورو من وزارة البيئة لمعالجة الجفاف وزيادة توافر المياه و784 مليون يورو من وزارة الزراعة لمساعدة المزارعين على الحفاظ على الإنتاج وتجنب نقص الغذاء.
وتبدو الحلول طويلة الأمد بعيدة المنال بشكل محبط. ومع تعرض ما يسمى ببستان أوروبا لمثل هذه الضغوط المناخية الشديدة، فلابد من إيجاد حلول على المستويات المحلية والوطنية والعالمية.