في السادس والعشرين من مايو 2024، تجدد الحوار بين الأديان في فيينا خلال مهرجان الأقليات والثقافات الدينية. وفي عالم يتم فيه استغلال الدين لإثارة الكراهية وتبرير الحروب، جمع هذا الحدث بين الجماعات والمجتمعات الدينية الإسلامية واليهودية والمسيحية والبوذية. حيث تلعب الأديان دورًا مهمًا وإيجابيًا، وهو ما تجسد شعار المهرجان بعنوان “السلام“.
Meric Sentuna Kalaycioglu
2024/7/8
English version
تحت رعاية عمدة فيينا مايكل لودفيج، نظم تحالف مثير للإعجاب من الجماعات الدينية، بما في ذلك المجتمع العلوي، والكنيسة الكاثوليكية القديمة، والمجتمع الديني البوذي، والكنائس الإنجيلية (أوغسبورغ والاعترافات الهلفتية، والميثودية)، والكنائس الحرة في النمسا والمجتمع الديني الإسلامي، بالتعاون مع مجلس الشباب المسكوني في النمسا، مهرجان الأقليات والثقافات الدينية الأول من نوعه. وقد فتحت أبواب أركادنهوف بجامعة فيينا للجمهور في فترة ما بعد الظهر يوم الأحد في الساعة 14:30 وقد استمر هذا التجمع الفريد والدافئ حتى الساعة 21:00.
عرضت الجماعات الدينية المشاركة منصات تشجع الحوار والمجتمع. وقد كانت كارلا أمينة باغاجاتي، رئيسة منطقة المدرسة (Schulamtsleiterin) والمفتشة المتخصصة في الإسلام، سعيدة لاختيار مكان المهرجان ليكون في جامعة فيينا. وقالت لـ iGlobenews إنهم سعداء بالتجمع في مثل هذا المكان الخاص، حيث ترمز الجامعات إلى النهج العلماني وتحافظ على الحياد تجاه جميع الأديان مع الحفاظ على الحرية الدينية. و أوضحت أن هذا مهم بشكل خاص في الأوقات التي يشعر فيها كثير من الناس بالقلق إزاء الكراهية والتحيز المجتمعي والحروب المستمرة وتغير المناخ والأزمات الاقتصادية. وأشارت إلى أن هذه القضايا تتحول الى “جبل من الأحزان والمخاوف”.
وأعربت السيدة باغاجاتي عن قلقها من تصوير الأديان في كثير من الاحيان على أنها مساهم في هذه المشاكل. ومع ذلك، فانها دائما تصر على اتباع نهج متفتح، وحثت على الحوار والتفاهم، وقالت: “دعونا نظهر أن الأديان ليست هي المشكلة، بل هي تلك التي قد تكون عاملاً في المصالحة وتحسين التفاهم والاحترام المتبادل”. وأوضحت أن هذه النظرة للاديان على ستساعد على فهم الدين ولذلك فإن شعار المهرجان هو السلام. وأكدت أن شعار السلام تم اختياره لاظهار الدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه الأديان في المجتمع.
وقد تم تشجيع التفاعل بين الأشخاص من مختلف الخلفيات الدينية والثقافية من خلال جناح “تعال على السجادة” وشعار” تبادل الاراء” و”الحوار حول مواضيع مختلفة” و”اكتشاف أوجه التشابه”. وتمت دعوة الضيوف للجلوس على السجادة والاستمتاع بالشاي والقهوة التركية والحلويات التي يقدمها وفد الجماعة الدينية الإسلامية.
Guests on the Carpet
The invitation to the Carpet and its mottos.
Guests on the Carpet
وقد استضافت السجادة ضيفتين مميزتين: إيدل مالوفيكي وهند حفودة من المجلس القيادي الإسلامي واليهودي الأوروبي . ومنذ تأسيس هذا المجلس في عام 2015، عمل المجلس على المستوى الأوروبي بهدف تجديد ثقافة الاحترام والتقدير للهويات الدينية، وخاصة اليهودية والإسلام في أوروبا. وذكر سفيرا المجلس القيادي الإسلامي واليهودي الأوروبي أنهما يحتفلان بتشابهاتهما من خلال إيجاد نقاط التقاء بين المسلمين واليهود وأكدا على دورهما في تعزيز التعاون الجيد في المجتمع وخلق أرضية مشتركة جميلة للسلام.
Eidel Malowicki and Hind Hafuda from the European Muslim and Jewish Leadership Council (MJLC)
وغنّت فرق من مختلف الفئات العمرية والخلفيات الثقافية الأغاني باللغة الألمانية والإنجليزية والتركية. وقد تميز العرض الافتتاحي بكورال غنائي رائع تضمن 80 طالبًا من المدرسة الابتدائية الإنجيلية في كارلسبلاتز، تلاها كورال طلابي أخر من المدرسة الابتدائية الكاثوليكية القديمة تريانجيل مارشترينك، وقد تحول الحدث إلى مهرجان عائلي، وذلك بفضل أولياء أمور هؤلاء الطلاب.
Children playing.
The choir of the Evangelical Elementary School at Karlsplatz
كما شارك الأطفال من جميع الأعمار في حوار مفتوح واحترام متبادل من خلال الألعاب التفاعلية، ومسابقة الألغاز، وطاولة الحرف اليدوية. وقد تم تعزيز الروح الاحتفالية من خلال تقديم مجموعة رائعة من الأطباق الشهية من ثقافات مختلفة. وقد اوضحت كاتيا آيشلر، المفتشة المتخصصة لمجموعة اعتراف أوغسبورغ الإنجيلية “نحن بحاجة إلى معرفة الكثير عن بعضنا البعض وعدم فقدان فرصة التحدث مع بعضنا البعض”.
قدم كورال مشروع الإنجيل، وهو كورال مستقل غير تابع للكنيسة، العرض الغنائي مرتدين ملابس بيضاء وبرتقالية ووردية. وقد قدم ولفجانج وينر عرضًا منفردًا على آلة هانج، وهي آلة تشبه الهاندبان، مستوحاة من آلة الستانلس ستيل الكاريبية. ولقد كان أحد العروض الأكثر إثارة للاهتمام هو أداء فرقة رحمي أوروك تكية، حيث قدموا اناشيد صوفية تقليدية بكلمات مستوحاة من يونس إمري وجلال الدين الرومي. وفي نهاية أدائهم، قام المغني الرئيسي جيرنوت غالب ستانفيل بدمج الزخارف الإسلامية مع اليودل، مجسدًا مزيجًا متناغمًا من التقاليد الثقافية ومبرزًا إمكانات الوحدة والابتكار داخل المشهد الموسيقي المتنوع.
Rahmi Oruc Tekke ensemble: Friderica Magdalena Wächter-Stanfel, Gernot Galib Stanfel and Nükhet Maria Stanfel (from left to right)
Gospel Project
وتضمن المهرجان حلقة نقاش مدتها 30 دقيقة، أدارتها أستريد ماتيس، وناقش ممثلون من مختلف الكنائس والمجتمعات الدينية في فيينا ما إذا كان التفاعل بين الأديان مجرد “مشروع نخبوي”، وضمت اللجنة المشرف ماتياس جايست (الكنيسة الإنجيلية في أوغسبورغ)، والأسقف ماريا كوبين (الكنيسة الكاثوليكية القديمة)، ورئيس الكنيسة فرانز جولاتز (الكنائس الحرة)، وويلي فايز (المجتمع اليهودي)، وكارلا أمينة باغاجاتي (المجتمع الإسلامي)، والأمين العام يوهانس كرونيكا (الجمعية البوذية)، ويليز لوسينسكي (المجتمع العلوي). وقد انتهوا بشكل جماعي إلى أن تثقيف الناس حول الديانات المختلفة، وفهم الايمان الحقيقي أمر ضروري لاتخاذ خيارات شخصية مستنيرة وتعزيز الحياة المتناغمة. وسلطت كرونيكا الضوء على أن الحوار بين الأديان يجسد “التعايش السليم”، بينما أشار جايست ضرورة وجود حوار بين الأديان بالرغم من صعوبة هذا الامر. وشدد وايز على أهمية المحادثات المحترمة، مؤكداً على اهمية فهو تبادل المعتقدات.
Podium discussion: Maria Kubin, Johannes Kronika, Matthias Geist, Astrid Mattes, Willy Weisz, Carla Amina Baghajati, Franz Gollatz and Yeliz Luczensky (from left to right)
واختتم المهرجان بعروض موسيقية قدمتها ديلارا كامان ودورو بيركا جول وسحر غون، الذين عزفوا الألحان العلوية التقليدية على الأورغن وديدي سازي (آلة موسيقية تقليدية بثلاثة أوتار) وغنوا معهم.
Dilara Caman, Duru Berca Gül and Seher Gün (from left to right)
وفي الساعة التاسعة مساءً، وبحضور أقل من عشرين زائرًا، اختتم المهرجان بسلام، حيث جمع الزوار معًا في دائرة للإشارة إلى الإغلاق الرمزي بإحساس بالوحدة والغرض المشترك. واختتم المهرجان بقصيدة بيتر روسيجر “Ein bischen mehr Friede” (المزيد من السلام)، التي ألقتها كارلا أمينة باغاجاتي. ان هذا الحدث لم يحتفل بالتنوع الثقافي والديني فحسب، بل عزز أيضًا فكرة أن الأديان تساهم بشكل كبير في التعايش المتناغم، مما يعكس الشعور بأن فعل الخير ومشاركة هذه الأفعال يعزز المجتمع ويجعله أكثر شمولاً.