نشر هنري كيسنجر، الحائز على جائزة نوبل، ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق ومستشار الرئيس، مقالاً في مجلة The Spectator بعنوان “كيف نتجنب حرباً عالمية أخرى”. وحذر كيسنجر من أخطار الحرب النووية واقترح خارطة طريق للسلام، لكنها لم تلق استحسان الرئيس زيلينسكي، الذي سرعان ما رفض اقتراح كيسنجر. هذا ولم ترد روسيا رسميا بعد حتى الان. ويقيس كيسنجر هذه الفرصة بفرصة السلام الضائعة خلال الحرب العالمية الأولى عام 1916 والتي كان من الممكن أن تنقذ حياة الملايين. ويتساءل: “هل يجد العالم نفسه اليوم عند نقطة تحول مماثلة مع تعليق العمليات العسكرية واسعة النطاق في أوكرانيا بسبب دخول فصل الشتاء؟”
Diana Mautner Markhof 19/12/2022
نشر هنري كيسنجر، أحد أشهر السياسيين في القرن العشرين، مقالًا في مجلة The Spectator بتاريخ 17 ديسمبر 2022 بعنوان ″كيفية تجنب حرب عالمية أخرى″. وعقب بعض التأخير، نشرت بعض وسائل الإعلام مقالته وذلك بالمقارنة مع التغطية العالمية التي يتلقاها كل بيان للرئيس الأوكراني زيلينسكي على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع ، ولذلك لا يسع المرء إلا أن يشعر بأن كيسنجر قد تم “تجاهله” من قبل وسائل الإعلام الرئيسية.
وفيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية، فأن كيسنجر يشير إلى أن وقت المفاوضات قد حان، وانه لا يزال هنالك تهديد بحرب نووية. وبالطبع فان هذه ليست الرسالة التي تريد أوكرانيا أن تسمعها. حيث رفض المتحدث باسم الرئيس زيلينسكي دون تردد اقتراح كيسنجر.
ان كيسنجر سياسي يتمتع بخبرة دبلوماسية تزيد عن نصف قرن. ولقد لعب دورًا محوريًا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة بين عامي 1969 و1977، حيث كان رائدًا في سياسة الانفراج مع الاتحاد السوفيتي وإقامة علاقات مع جمهورية الصين الشعبية، وكان معروفا بما يسمى بالدبلوماسية المكوكية. وكان له دور فعال في إنهاء حرب يوم الغفران والتفاوض على اتفاقيات باريس للسلام التي تهدف إلى إنهاء حرب فيتنام، والتي حصل بسببها على جائزة نوبل للسلام في عام 1973.
إن رسالة كيسنجر حول السلام من خلال الدبلوماسية مهمة ويجب أن تؤخذ على محمل الجد من قبل جميع الأطراف. حيث أجرى مقارنة تاريخية مهمة مع الحرب العالمية الأولى، حيث انه في أغسطس 1916 وبعد مليوني ضحية، شعرت القوى المتحاربة يانه ″لا يمكن لأي تسوية يمكن تصورها أن تبرر التضحيات التي تم تكبدها بالفعل″. ولم يرغب الجانبان في الظهور بمظهر الضعيف، فسعى كلا منهما الى الوساطة الأمريكية، والتي، في حال نجاحها، لكانت قد أنهت الحرب على أساس ″الوضع الراهن المعدل″.
ومع ذلك، لم يتم استغلال هذه الفرصة، حيث أجلت الولايات المتحدة جهود الوساطة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 1916. وبحلول ذلك الوقت كان هجوم السوم البريطاني وهجوم فردان الألماني قد أسفرا عن سقوط مليوني ضحية أخرى. ولقد استمرت الحرب العالمية الأولى لمدة عامين آخرين وأزهقت أرواح الملايين وأضعفت أوروبا.
ويتساءل كيسنجر: ″هل يجد العالم نفسه اليوم عند نقطة تحول مماثلة مع تعليق العمليات العسكرية واسعة النطاق في أوكرانيا بسبب حلول فصل الشتاء؟″
ويدعو كيسنجر إلى السلام من خلال المفاوضات حيث وضح انه لن يحقق أي من الطرفين على 100٪ مما يريده. ويقترح وجود نوع من الارتباط بين أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي، وإنشاء خط وقف إطلاق النار في أوكرانيا على طول الحدود التي كانت موجودة عندما بدأت روسيا الحرب في 24 فبراير 2022. ويشير كذلك إلى أن شبه جزيرة القرم وغيرها من الأراضي التي تحتلها روسيا يمكن أن تكون موضوع مفاوضات بعد وقف إطلاق النار. حيث انه ″إذا لم يكن من الممكن تحقيق هذا الخط الفاصل بين أوكرانيا وروسيا قبل الحرب عن طريق القتال أو المفاوضات، فمن الممكن اللجوء الى مبدأ تقرير المصير″. حيث يتم ذلك من خلال استفتاءات تكون تحت إشراف دولي لتطبيق حق تقرير المصير على المناطق المقسمة بشكل خاص والتي تغيرت السيطرة عليها بشكل متكرر على مر القرون
إن عملية السلام التي أطلقها كيسنجر لن تؤكد حرية أوكرانيا فحسب، بل إنها ستحدد أيضاً هيكلاً دولياً جديداً لأوروبا الوسطى والشرقية. كما اعرب أيضا عن اعتقاده يأن ″روسيا يجب أن تجد في نهاية المطاف مكاناً لها في مثل هذا النظام″. ولقد عارض النتيجة التي تصبح فيها روسيا ″عاجزة بسبب الحرب″، وهو هدف العديد من الدول الغربية، بما في ذلك الرئيس زيلينسكي.
وينبه أيضا، بإن تفكك روسيا من شأنه أن ″يحول أراضيها التي تشمل 11 منطقة زمنية إلى فراغ متنازع عليه″ حيث سينتشر العنف والحرب. وهذا الخطر سيطالنا جميعا، فروسيا تعد من أكبر القوى النووية في العالم وتمتلك آلاف الأسلحة النووية. ويحذر من أن حروب التكنولوجيا الفائقة في المستقبل سوف تنتزع السيطرة في النهاية من صناع القرار.
بالنسبة لكيسنجر، فإن اقتراحه لا يصب في مصلحة روسيا فحسب، بل يهدف أيضًا بشكل أساسي إلى إنشاء نظام عالمي سلمي ومستقر، وهو النظام الذي لعبت فيه روسيا وستستمر في لعب دور مهم في الحفاظ على التوازن العالمي وتوازن القوى. ويحذر من أن ″النكسات العسكرية الروسية لم تقض على نفوذها النووي العالمي، بل مكنها من التهديد بتصعيد الصراع في أوكرانيا″.
ويتعين على زعماء العالم أن ينتبهوا إلى كلمات كيسنجر: ″إن السعي إلى تحقيق السلام والنظام يتألف من عنصرين ينظر إليهما في بعض الأحيان على أنهما متناقضان وهما: السعي الى تحقيق الأمن وضرورة أعمال المصالحة″. ويجب ألا تتكرر الأخطاء المرتكبة في الحرب العالمية الأولى حيث ان فرص السلام الضائعة في الحرب العالمية الاولى كانت ستنقذ جيلاً كاملاً من الموت والدمار. لذلك فلا ينبغي لنا أن نتجاهل كيسنجر، ولا ينبغي لنا أن نتجاهل إمكانية السلام.