تتحدى الصين الغرب فيما يتعلق بمن يستطيع بناء المزيد من المدارس والمستشفيات والملاعب الرياضية للأشخاص في البلدان ذات الدخل المنخفض.
Michael Asiedu, 2023/12/13
Spanish version | Chinese version| English version
انعقد منتدى الحزام والطريق الثالث للتعاون الدولي (BRFIC) في مدينة بكين في الصين، في الفترة من 17 إلى 18 أكتوبر 2023. وهو منتدى سياسي واقتصادي دولي لمبادرة الحزام والطريق (BRI)، وقد قامت الصين بالكشف عن تلك الإستراتيجية العالمية لتطوير البنية التحتية في عام 2013. وفي الخطاب الافتتاحي للمنتدى، سلط الرئيس الصيني شي جين بينغ الضوء على الاختلاف في نهج الصين تجاه التنمية العالمية وخاصة في ″العالم النامي ″، في إشارة بشكل رئيسي إلى البلدان المتواجدة فيما يسمى بالجنوب العالمي. وأشار إلى أن ″المواجهة الأيديولوجية والتنافس الجيوسياسي وسياسات التكتل لم تكن خيارا بالنسبة لبكين ″. وبينما لم يتم ذكر أسماء أي دول، اتفق المحللون على أنه كان يقصد واشنطن والعواصم الأوروبية الكبرى مثل باريس.
كما اتخذ وزير الخارجية الصيني وانغ يي، موقفاً متحديا فيما عبر عنه بخصوص من يمتلك القدرة على بناء مشاريع البنية التحتية الكبيرة بشكل أكثر فعالية في جميع أنحاء العالم النامي، أو الغرب، أو الصين. وحتماً، دعم بلاده.
وقد انخفض معدل الحضور رفيع المستوى في المنتدى هذا العام على الرغم من كونه أول منتدى لمبادرة الحزام والطريق منذ أربع سنوات، فضلا عن كونه الذكرى السنوية العاشرة لمبادرة الحزام والطريق. حيث حضر مؤتمرBRFIC هذا العام 23 رئيس دولة فقط بالمقارنة لمنتدى عام 2017 والذي حضر فيه 30 رئيس دولة، بما في ذلك الرئيس الصيني شي جين بينغ، ومنتدى عام إلى 2019 الذي ارتفع العدد فيه الى 37 رئيس دولة.
وحضر المؤتمر زعماء أفارقة مثل الرئيس الكيني ويليام روتو، والرئيس الكونغولي دينيس ساسو نجيسو، والإثيوبي آبي أحمد، بالإضافة إلى الوجه الجديد، نائب الرئيس النيجيري، كاشم شيتيما. ووفقاً لصحيفة ″أفريكا نيوز ″، فقد حضر المؤتمر نحو 130 زعيماً من جميع أنحاء ″العالم النامي ″، بما في ذلك الأمين العام للأمم المتحدة.
وتمتد مبادرة الحزام والطريق من القارة الاوراسيوبة إلى أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهو يعد أكبر برنامج إنمائي متعدد الأطراف تدعمه دولة واحدة، حيث تم إنفاق تريليون دولار أمريكي. وباعتبارها السياسة المميزة للرئيس شي، فقد مكنت مبادرة الحزام والطريق الشركات الصينية من بناء مشاريع البنية التحتية مثل الموانئ والطرق ومحطات الطاقة في جميع أنحاء البلدان المشاركة في المبادرة، وذلك بهدف تعزيز التجارة والنمو الاقتصادي. ووفقا لمجلس الدولة الصيني للمعلومات، فقد سهلت مبادرة الحزام والطريق في أفريقيا وحدها بناء أكثر من 12 ألف كيلومتر من السكك الحديدية والطرق، و20 ميناء وأكثر من 80 منشأة واسعة النطاق لتوليد الطاقة. ويشير تقرير للبنك الدولي إلى أن مبادرة الحزام والطريق ساهمت عالميًا في انتشال 7.6 مليون شخص من الفقر المدقع و32 مليونًا من الفقر المعتدل.
وتعليقا على مبادرة الحزام والطريق، قال البروفيسور همفري بي بي موشي، مدير مركز الدراسات الصينية بجامعة دار السلام في تنزانيا، إن الدول التي تبنت مبادرة الحزام والطريق بالكامل جنت فوائد كبيرة. واستشهد، على سبيل المثال، بالنمو الاقتصادي المطرد من خلال زيادة التصنيع الذي شهدته بلاده منذ انضمامها إلى مبادرة الحزام والطريق في عام 2018. والجدير بالذكر ان حوالي 60 في المئة من الاستثمارات الصينية في تنزانيا تكون في قطاع التصنيع.
كان النقد الرئيسي لمبادرة الحزام والطريق هو تراكم الديون الضخمة على ″الدول النامية″ مع ما يترتب على ذلك من زيادة للاعتماد الاقتصادي على بكين. فعلى سبيل المثال، في أفريقيا، طلب الرئيس الكيني روتو قرضًا بقيمة مليار دولار أمريكي إلى جانب خطة إعادة هيكلة سداد الديون من بكين. وقامت زامبيا وغانا دولتان أفريقيتان أخريان بإعادة هيكلة أقساط ديونهما مع الصين مؤخرًا. وذكرت السلطات الإثيوبية أيضًا في أغسطس أن بكين سمحت للبلاد بتعليق مدفوعات ديونها حتى 7 يوليو 2024.
ويواصل المحللون التدقيق في إنجازات مبادرة الحزام والطريق، ويتساءلون عن مدى استدامة مبادرة الحزام والطريق في المستقبل. وبينما أظهرت الصين قدرتها على تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبيرة، لا يزال هناك قلق بشأن التكاليف التي بلغت حتى الآن تريليون دولار أمريكي وعما إذا كان قد تم إنفاقها بشكل فعال. واضطرت الصين إلى إعادة هيكلة قروض مبادرة الحزام والطريق، وتمديد المواعيد النهائية، وتخصيص مبلغ إضافي قدره 240 مليار دولار لمساعدة المقترضين على سداد ديونهم في الوقت المحدد. وبدلا من إنهاء المشاريع الممولة بالديون، سوف تستمر مشاريع مبادرة الحزام والطريق وتزداد الديون المستحقة للصين، وهو الوضع المعروف باسم ″دبلوماسية فخ الديون″.
وردا على ذلك، فقد قام مشاهد حسين سيد، رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الباكستاني، بتسليط الضوء على الفرق بين النهج الاستثماري الذي يتبعه الغرب والصين فيما يتعلق بالتنمية العالمية. وبحسب مقال نشرته صحيفة فايننشال تايمز ومقابلته في شبكة أخبار الصين، ذكر مشاهد: ″أنفق الأمريكيون 6 تريليون دولار على ما يسمى بالحرب على الإرهاب، بينما أنفق الصينيون 1 تريليون دولار على 3000 مشروع في جميع أنحاء العالم″. وأضاف أنه في حين أن ″الأمريكيين يركزون على الأمن والتوجه العسكري، فإن الصينيين يركزون على الاقتصاد وموجهون نحو التنمية″.
ولقد دعا الرئيس الرواندي بول كاغامي، في خطابه الأخير لمجموعة العشرين، الغرب إلى عدم إرغام أفريقيا على اختيار أحد الجانبين في القضايا العالمية ومع من يتشاركون في قضايا التنمية. ومع ذلك، يؤكد الرئيس كاغامي على أن ″ما تريد أفريقيا رؤيته هو السلام والتنمية وليس دفع ثمن المعارك الأيديولوجية التي تنظمها القوى الغربية″. ولقد ردد الرئيس الصيني شي هذا الادعاء، مشيراً إلى أن الصين تقف ″ضد العقوبات الأحادية الجانب، والإكراه الاقتصادي والفصل، وتعطيل سلاسل الامداد″.
وفي معرض حديثه عن منهج الصين في التعامل مع التنمية العالمية، تحدى وزير الخارجية الصيني وانغ يي برامج التنمية الأخرى مثل برنامج البوابة العالمية التابع للاتحاد الأوروبي وشراكات الولايات المتحدة من أجل البنية التحتية العالمية وتسائل عمن يستطيع تقديم الافضل. واقترح ″ربما نتمكن من إقامة منافسة على مستوى العالم حول من يستطيع بناء المزيد من الطرق والسكك الحديدية والجسور للدول النامية، ومن يمكنه بناء المزيد من المدارس والمستشفيات والملاعب الرياضية للأشخاص في البلدان المنخفضة الدخل″ وأضاف ″نحن لدينا الثقة في أننا قادرون على تحقيق ذلك″.
وحول ما إذا كانت مبادرة الحزام والطريق ستظل قائمة في السنوات المقبلة، تعهد الرئيس الصيني شي باستثمار 100 مليار دولار أمريكي في المزيد من مشاريع مبادرة الحزام والطريق. وقال شي إنه استوحى الإلهام من رواد طريق الحرير القديم الذين دافعوا عن روح السلام والتعاون كأساس لتجارتهم وتنميتهم. وقال إنه لا يوجد للصين ″تاريخ في الغزو بالسفن الحربية، أو البنادق، أو الخيول أو السيوف″. ويتفق المحللون على أن هذه الملاحظة كانت موجهة نحو الغرب. وقال الرئيس شي إنهم يهدفون إلى أن يكونوا مبعوثين سلام، وأشار إلى أنه ″عندما تعطي الورود للآخرين، فإن عطرها يبقى في يدك″. مساعدة الآخرين هي أيضًا مساعدة للنفس.
ومن المتوقع أن تدخل مبادرة الحزام والطريق مناطق استثمارية مجهولة أكثر، مثل الاستثمار في مجالات البناء المؤسسي، والتبادلات العلمية والتكنولوجية، وهي المجالات التي تعتبر نقاط قوة في الغرب. وتتشابك هذه المجالات مع نهج المبادرات العالمية التي يتبناها الرئيس الصيني شي جين بينج ذات المحاور الثلاثة وهي التنمية، والأمن، والحضارة.
وقد تعهدت الصين بالفعل باستضافة معرض التجارة الرقمية العالمي السنوي. وتعتزم الصين أيضًا مواصلة خطة عمل الحزام والطريق للعلوم والتكنولوجيا والابتكار مع الالتزام بطرح المبادرة العالمية لحوكمة الذكاء الاصطناعي. ووفقا للرئيس الصيني شي، فإن هذا سيضمن ″تطوير الذكاء الاصطناعي بشكل سليم ومنظم وآمن في العالم″. وعلى الصعيد الثقافي، تهدف الصين إلى استضافة منتدى ليانغتشو لتعزيز حوار الحضارات مع الدول الشريكة. ويتماشى ذلك مع البرامج القائمة بالفعل، مثل رابطة طريق الحرير الدولية للمسارح، ومهرجان طريق الحرير الدولي للفنون، وغيرها.
يقدم هذا النهج الثلاثي بديلاً جريئًا لتحدي النظام الذي تتصدره الولايات المتحدة القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وذلك فقًا للبروفيسور تشن يونجون من جامعة رنمين، وجاكوب جونتر، كبير المحللين في معهد ميركاتور للدراسات الصينية. وبالرغم من تشجيع الرئيس الصيني شي لمعاملة مبادرة الحزام والطريق بطريقة جديدة ومبتكرة وذلك من خلال استراتيجيته الجديدة ″xiao er mei″ التي تترجم إلى ″صغيرة وجميلة″، يبقى السؤال حول من يمكنه بناء المزيد من مشاريع البنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها لقيادة التنمية المستدامة في جميع أنحاء العالم النامي أو الغرب أو الصين.